خبرني - في عالم تطغى عليه الخطابات المعدّة سلفاً والبروتوكولات الباردة، ينهض قائد يعيد للقيادة معناها الإنساني الأصيل. جلالة الملك عبد الله الثاني، في خطاب العرش وفي حواراته وتصريحاته العالمية، لم يكن مجرد صوت يُلقى، بل كان قلباً ينبض، وضميراً حياً، وفكراً يضيء درب الأمة.
لقد حوّل جلالته فن الخطاب السياسي إلى لوحة إنسانية رقيقة، مزق فيها حجاب البروتوكولات الرسمية بكلمات قلبت موازين القيادة التقليدية: "نعم، يقلق الملك". بهذه العبارة الصادقة، دخل مباشرة إلى قلوب شعبه، ليس كحاكم بعيد الهموم، بل كأب يشعر بآلام أبنائه، وقائد يشارك شعبه هواجسهم وتطلعاتهم.
وإذا كانت لغة الأرقام تقيس نجاح الخطاب بعدد مرات التصفيق، فإن القلوب كانت تقيسه بدرجة الوجدان وصدق المشاعر. فكل "تصفيقة" انطلقت في قاعة المجلس لم تكن مجرد رد فعل بروتوكولي، بل كانت تعبيراً صادقاً عن انسجام كلماته مع نبض الحضور، وكانت شهادة حية على أن القيادة الحقيقية هي التي تلامس شغاف القلوب قبل أن تخاطب العقول.
وعلى المسرح الدولي، قدم جلالته ايضا نموذجاً فريداً للدبلوماسية الإنسانية. ففي كل مقابلاته مع الشبكات العالمية، لم يتحدث بلغة المصالح الضيقة، بل ارتقى إلى لغة القيم والمبادئ. تصريحه أمس لفيرغال كين مراسل الــ BBC عن غزة أمس لم يكن تقريراً سياسياً، بل كان نداء إنسانياً ينبع من قلب أب يشعر بألم كل طفل تحت القصف. رفضه إرسال قوات إلى الأرض الفلسطينية وإصراره على تدريب القوات الفلسطينية المحلية لم يكن مجرد موقف سياسي، بل كان تأكيداً على فلسفة تحترم إرادة الشعوب وتؤمن بحقها في تقرير مصيرها.
كما أن الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس ليست منة أو امتيازاً، بل هي رسالة تاريخية يحملها الملك عبد الله الثاني كأمانة في عنقه. إنها ليست مسؤولية سياسية عابرة، بل هي عهد مع التاريخ ووصية من الأجداد، تجسدت في دفاعه المستميت عن المقدسات، مؤكداً أن القدس ستظل في قلب كل عربي ومسلم، وأن حماية مقدساتها هي شرف لا تنازل عنه.
ما يميز الملك عبد الله الثاني هو ذلك التناغم النادر بين القول والفعل. إنه لا يكتفي بالخطابات الرنانة، بل يتحول إلى قوة فعلية على الأرض. جهوده الحثيثة في إنهاء حرب غزة، ومبادراته الإنسانية في علاج أطفالها، والمستشفيات الأردنية الميدانية في "القطاع" ليست مجرد شعارات، بل هي تجسيد حي لفلسفة قيادية تؤمن أن العمل هو اللغة الحقيقية للقيادة.
جلالته ليس مجرد حاكم في سلسلة من الحكام، بل هو حلقة في سلسلة ذهبية من القيادات الهاشمية، يسير على نهج الآباء المؤسسين، لا بتقليد الأسلوب، بل بامتلاك الروح نفسها، روح البناء والتحديث مع التمسك بالأصالة. كيف لا وهو الوريث الشرعي لمسيرة التأسيس والبناء، يحمل نفس الرؤية الثاقبة والإيمان العميق الذي ميز أسلافه من قبل.
في زمن كثرت فيه الخطابات الجوفاء وقلت فيه المواقف الصادقة، يبقى الملك عبد الله الثاني منارة تضيء الطريق نحو قيادة أكثر إنسانية، قيادة تبدأ من القلب، وتمسك بيد الشعب، وتخاطب ضمير العالم. إنها القيادة التي تجعل من الأردن نموذجاً فريداً، ومن الملك عبد الله الثاني قائداً استثنائياً يستحق أن تخفق له القلوب إجلالا قبل أن ترفع له الأيادي تحية.
هذه هي القيادة الهاشمية بامتياز، قيادة تسبح ضد تيار المصالح الضيقة، حاملة راية القيم والمبادئ، مؤمنة بأن السياسة ليست فن الممكن فقط، بل هي فن المبادئ والإنسانية. قيادة تخلد في ذاكرة التاريخ لا بعدد السنوات في الحكم، بل بعدد القلوب التي تلامسها، والأرواح التي تلهمها، والمواقف التي تظل نبراساً للأجيال القادمة.




