خبرني - تُعد مشاهد العنف الجامعي في بيئتنا العربية من أكثر الظواهر صدمة وإيلامًا، فبرغم تكرارها، ما زالت تُثير فينا الأسى والدهشة معًا، لأنها ببساطة لا تُبرَّر داخل أسوار يُفترض أن تكون حاضنة للعلم والوعي لا لسلوك القوة والغضب.
فكل مرة يشتبك فيها طالب مع آخر، لا تنكسر نافذة فقط، بل ينكسر شيء أعمق في دور الاسرة كأساس للتربية وصورة التعليم، في معنى الانتماء، وفي روح الشباب التي كان يُفترض أن تتعلّم لا أن تتقاتل.
في صمت القاعات الجامعية، تختبئ أصوات لا تُسمع.
وجوه شابة تبتسم للواقع بينما تحمل في داخلها ضجيجًا لا يراه أحد، توتر، خوف، وحدة، وربما غضب يتكوّن من ضغوطات الحياة الاقتصادية والاجتماعية. من الخارج تبدو الجامعة مكانًا للعلم، لكن من الداخل هي مرآة لمجتمعٍ صغير يحمل كل تناقضاته بين الطموح والضغط، بين الأمل واليأس، وبين البحث عن الذات والخوف من الفشل.
ومع كل مشاجرة جديدة، نُسارع إلى مناقشة العقوبات وتفعيل وتطبيق القوانين التي غالبا هي العقوبة.
نفصل، نُحرّم، نُهدّد، وكأن الردع وحده كفيلٌ بتصحيح المسار، لكن العقوبة مهما اشتدّت، لا تبني وعيًا، ولا تُداوي جرحًا، ولا تمنح الطالب سببًا ليُعيد الثقة بنفسه أو بجامعته. العقوبة تردع، نعم، لكنها لا تُصلح، توقف الفعل مؤقتًا، لكنها لا تلمس سببه، فاذا لم نُعالج الجذور، سيعود العنف بأشكال مختلفة، وبأسماء جديدة.
الإرشاد النفسي هو خط الدفاع الأول، لا الحارس الأمني ولا اللائحة التأديبية، هو الذي يُحوّل الغضب إلى فهم، والاندفاع إلى وعي، إن وجود المرشد داخل الجامعة لا يعني ضعف النظام، بل قوته الإنسانية.
لأنه يعيد للطالب شعوره بالأمان، فيصبح قادرًا على الاعتراف، لا على الإنكار.
لكن الجامعة لا تستطيع وحدها أن تُعيد البناء.
الأهل شركاء في الغرس الأول، والمجتمع المدني شريك في استعادة الثقة.
حين يُربّى الأبناء على الإصغاء لا الاتهام، وعلى الاحترام لا التهديد، يصبح الخلاف اختلافًا لا صراعًا، وتتحول القوة من عنفٍ إلى وعي. نحن لا نحتاج إلى جدرانٍ أعلى، بل إلى قلوبٍ أوسع.
ولا إلى مزيدٍ من القوانين، بل إلى مزيدٍ من الفهم، فالعقوبة تردع... لكن الاحتواء يُعيد البناء.
ومن لا يحتوي شبابَه اليوم، سيجد نفسه غدًا أمام جيلٍ يُعاقبُه لأنه لم يسمعه حين احتاج الأمان.




