*
الجمعة: 05 ديسمبر 2025
  • 19 أكتوبر 2025
  • 13:15
الكاتب: الدكتور ماجد عسيلة

خبرني - رغم كل الجهود الرسمية والأكاديمية والشعبية المبذولة للحد من العنف الجامعي في الأردن، إلا أن هذه الظاهرة ما تزال تطل برأسها بين الحين والآخر، لتذكرنا بأن المشكلة أعمق من مجرد مشاجرة عابرة داخل أسوار الجامعة، فهي ليست حادثة معزولة، بل انعكاس لخلل اجتماعي وثقافي وتربوي متراكم، يجد طريقه إلى أكثر الأماكن التي يفترض أن تكون منارات للعلم والتنوير.
تبدأ شرارة العنف الجامعي غالبا من خلاف بسيط أو حتى من سوء تفاهم، لكنها سرعان ما تتطور إلى مواجهات جماعية تستخدم فيها العصي والحجارة، وتتدخل فيها العصبيات العشائرية والمناطقية، لتتحول الجامعة من حرم للعلم إلى ساحة صراع، وهنا تتبدد صورة الطالب الجامعي المثقف والمتزن، لتحل مكانها مشاهد مؤسفة تسيء إلى سمعة التعليم العالي في الأردن الذي طالما افتخرنا به.
مختصون يرون أن العنف الجامعي ليس وليد لحظة، بل نتيجة تراكمات تبدأ من البيت والمدرسة والمجتمع، حيث تزرع بذور العنف في سلوكيات التنشئة المبكرة، في ظل ضعف ثقافة الحوار واحترام الآخر، كما تسهم البطالة وضغوط الحياة والإحباط العام في زيادة قابلية الشباب للانفجار في أي لحظة، فينعكس ذلك على سلوكهم داخل الجامعة.
وزارة التعليم العالي والجامعات الأردنية اتخذوا سلسلة من الإجراءات الوقائية، مثل تعزيز الأنشطة اللامنهجية وتطبيق العقوبات التأديبية الصارمة، ونشر الوعي عبر المحاضرات والندوات، إلا أن هذه الجهود ما تزال تصطدم بواقع اجتماعي وثقافي متجذر يصعب تغييره في المدى القصير، فالمشكلة ليست في القوانين بقدر ما هي في الثقافة والسلوك.
إن مكافحة العنف الجامعي تحتاج إلى رؤية شمولية تبدأ من إصلاح منظومة القيم والسلوك في المجتمع، وإعادة الاعتبار لدور الجامعة كمؤسسة تربوية قبل أن تكون أكاديمية، كما يتطلب الأمر تعزيز ثقافة الحوار وقبول الاختلاف، وتكريس الانتماء الوطني الجامع الذي يتجاوز الانتماءات الضيقة.
يجب أن تبقى الجامعة مساحة للنقاش والفكر الحر، لا ميدانا للخصومات، وإذا أردنا أن نرى جيلا قادرا على بناء المستقبل، فعلينا أن نعيد للجامعة رسالتها الحقيقية وهي أن تكون مصنعا للعقول، لا ساحة لتصفية الحسابات.
 

مواضيع قد تعجبك