خبرني - النظافة ليست ترفًا حضاريًّا نمارسه حين نشاء، بل هي سلوك يومي، ومؤشر على رُقيّ المجتمع ودرجة وعيه واحترامه لمدينته. عمّان، المدينة التي كانت تتباهى يومًا بنظافتها وشوارعها المنظمة، تتراجع اليوم على نحو مقلق، وكأن شيئًا في الروح العامة قد انكسر أو نام. فالمناظر اليومية لحاويات مهشّمة، ونفايات متناثرة على جنبات الطرق والساحات والدخلات، أصبحت مشهدًا مألوفًا لا يُثير استغراب أحد. كلّ ذلك يجري في مدينة مقسمة إداريًّا إلى 22 منطقة، وكل منطقة تضم عددًا من عمال النظافة وعرفائهم ورؤساء الأقسام، وصولًا إلى مدير المنطقة، وهؤلاء جميعًا يتقاضون رواتب مقابل دور يفترض أن يكون فعالًا، متابعًا، مستنفرًا لراحة المدينة وسلامة بيئتها. ولكن، حين تغيب "الجدّية" عن العمل وتُصبح الوظائف ألقابًا على ورق، يغيب معها الأداء، وتتحول الأمانة – بالاسم فقط – إلى مؤسسة عاجزة عن إدارة الشوارع، فضلاً عن النفوس.
لو كانت هناك رقابة حقيقية، ومتابعة ميدانية صارمة، لوجدنا المدير ورؤساء الأقسام يتجولون بين الأحياء، سهارى، لا يهدأ لهم بال حتى يروا مدينتهم نظيفة كما يجب، ولرأينا القوانين تُطبّق بلا محاباة. لكن عندما يُسند الأمر إلى من لا يحمل حسّ المسؤولية، فانتظر أن يعمّ الفساد، ويتحوّل التقصير إلى واقع يومي لا يُناقش. المؤلم أن النظافة، وكأنها أصبحت مخصصة لأحياء دون غيرها، حيث نرى مناطق تُخدَم يوميًا، وكأنها واجهة عمّان الوحيدة، بينما تُترك الأحياء الشعبية لتغرق في أكوام النفايات، رغم أن الجميع – غنيًّا وفقيرًا – يدفع الضرائب ذاتها، ويتشارك في حقوق المواطنة. فهل أصبحت الخدمة تُمنح على أساس الطبقة والمنطقة؟ هذا هو الخلل بعينه. لقد كانت عمّان في سنوات سابقة أنظف، ليس لأن عدد السكان كان أقل، بل لأن حسّ المسؤولية كان أعلى، والإخلاص في العمل أوضح. أما اليوم، فيبدو أن هذا الحس ينحدر تدريجيًّا، في ظل لامبالاة مؤسسية، وتقاعس مجتمعي، وغياب التنسيق الحقيقي بين المواطن والمسؤول. إن استعادة نظافة عمّان لا تحتاج إلى شعارات ولا حملات موسمية، بل إلى نفض الغبار عن ضمير المدينة: مسؤولًا كان أم مواطنًا، عاملًا كان أم مديرًا، فالمدن لا تنهض إلا بأبنائها، ولا تُنظَّف إلا بأيدٍ تعرف أن الوطن يبدأ من عتبة بيته..




