*
الجمعة: 05 ديسمبر 2025
  • 05 أكتوبر 2025
  • 08:38
الكاتب: زهير الشرمان

خبرني - عندما صرح دونالد ترامب لموقع اكسيـوس بان احد اهدافه في انهاء حرب غزة هو اعادة مكانة اسرائيل الدولية لم يكن مجرد تصريح دبلوماسي بل كان نقدا مباشرا لسياسة اسرائيل فقد قال ان نتنياهو ذهب بعيدا جدا وان اسرائيل فقدت دعما واسعا في العالم وانه وحده القادر على استعادتها وذلك عبر صياغة نموذجية على طريقة ترامب رجل الكابوي الامريكي ورجل الصفقات الذي يصلح ما افسده الاخرون.

لكن وراء هذه الثقة المفرطة تكمن معادلة اعقد بكثير فصورة اسرائيل لم تتراجع بسبب قرارات نتنياهو الشخصية فقط بل نتيجة نهج حكومة يمينية متطرفة ادت الى حرب مدمرة اودت بحياة آلاف الاشخاص وشردت الملايين وافرزت ازمة انسانية وصفها مسؤولون امميون بانها الاسوأ منذ عقود ولا يمكن لأي تغيير في الخطاب ان يمحو صور الدمار في غزة ولا الغضب الذي اجتاح الجامعات وساحات الاحتجاج وارتسم على صفحات الصحف حول العالم.

الاستطلاعات الأخيرة توضح عمق الأزمة، وفقا لاستطلاع Pew Research Center في 6/2025، حيث عبرت غالبية مواطني 24 دولة عن نظرة سلبية تجاه إسرائيل وقيادتها. وفي أوروبا الغربية، وصل التأييد الشعبي لإسرائيل إلى أدنى مستوياته، إذ أظهر استطلاع YouGov صافي نظرة سلبية بلغ 44% في ألمانيا، و55% في إسبانيا، و46% في بريطانيا. أما في الولايات المتحدة، فقد أظهر استطلاع Gallup في 7/2025 أن 32% فقط يؤيدون العمل العسكري الإسرائيلي في غزة، وهو أدنى مستوى منذ بدء الحرب، مع تراجع أشد بين الشباب والديمقراطيين.

هذا الانحسار لم يبق في اطار الارقام فحسب فقد شهدت عواصم غربية مظاهرات ضخمة وتوسعت المقاطعة الاكاديمية للجامعات الاسرائيلية وتعرضت الحكومات لضغوط لتعليق صادرات السلاح بل ان صحيفة لوموند الفرنسية تحدثت عن موجة غير مسبوقة من المقاطعة طالت الباحثين والمؤسسات الاسرائيلية.

حسابات ترامب تفترض ان واشنطن قادرة بعد على قلب الموازين اذا اعادت منح اسرائيل صك الشرعية فستتبعها الحكومات الغربية، لكن ذلك لا يضمن تجاوز الفجوة مع الرأي العام فالحكومات في برلين وباريس ولندن لا تستطيع ان تسبح طويلا ضد التيار الشعبي كما ان التحدي لا يتعلق بالدبلوماسية فقط فالحرب افرزت دعاوى امام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وهذه ملفات قانونية ومؤسساتية لا يمكن تبييضها بخطاب سياسي او حملات اعلامية.

انتقاد ترامب لنتنياهو ليس دفاعا عن الفلسطينيين بل عرض لاعادة تسويق نفسه كمنقذ يخاطب جناحه الانجيلي ويجذب ناخبين امريكيين اوسع مع طموح واضح للفوز بجائزة نوبل للسلام، تاريخ ترامب السياسي يفضح نواياه من نقل السفارة الى القدس وقطع المساعدات عن الفلسطينيين يجعل من صورته كوسيط محايد محل شك، وفي النهاية ما يهمه هو تجميل صورته والفوز بالشهرة الدولية وليس العدالة او السلام.

التحدي الاكبر امام اي ادارة امريكية هو ان السياق العالمي لم يعد كما كان لعقود ،حيث كان دعم اسرائيل ثابتا في قاموس الغرب لكن حرب غزة كسرت هذه القاعدة ،اليوم بات التشكيك في اسرائيل موقفا سائدا لدى قطاعات واسعة من الرأي العام في اوروبا ويتنامى سريعا بين الاجيال الشابة في امريكا.

استعادة صورة اسرائيل لن تتحقق عبر الضغط الدبلوماسي وحده بل بقدرتها على تغيير سلوكها ميدانيا من وقف استهداف المدنيين وتسهيل المساعدات الانسانية الى مراجعة سياسات الاحتلال الطويلة، من دون ذلك فان اي محاولة لاعادة التأهيل ستبقى سطحية وهشة.

خطة ترامب تبدو في جوهرها محاولة لتوظيف ازمة اسرائيل لتعزيز صورته العالمية وطموحه الشخصي للفوز بجائزة سلام اكثر مما هي مشروع حقيقي لتحقيق العدالة للفلسطينيين، ربما ينجح في اعادة بعض التحالفات الرسمية لكن استعادة الشرعية في نظر الشعوب قضية مختلفة تماما فالعالم بعد غزة لم يعد كما كان قبلها وما خسرته اسرائيل لا يمكن استعادته عبر وعود انتخابية او خطب رنانة.

مواضيع قد تعجبك