خبرني - النجاح أشبه بزهرةٍ تنمو في صمت الليل، تُروى بالعرق والدمع والانتظار الطويل، حتى إذا بزغ فجرها أبهرت العيون بعطرها وألوانها، دون أن ترفع صوتاً أو تطلب شاهداً.
الإنجاز الحقيقي لا يصرخ، بل يتوهج؛ لا يستجدي الاعتراف، بل يفرض نفسه على الأبصار والقلوب.
غير أنّ بعض النفوس حين تبلغ مراتبها، تُسارع إلى نصب المنابر، وتُشهر أبواقها، كأنها تخشى أن يضيع نورها إن لم تصحبه الضوضاء.
وهذا هو التباهي الذي يقتل روح الإنجاز، كما يقتل الغبارُ بريقَ المرآة. فالعظمة حين تُعلن عن نفسها بكثرة القول، تُصبح أثقل من أن تُلهِم، وأقرب إلى الاستعلاء منها إلى الإلهام.
انظر إلى النهر: يسقي الأرض ويُحيي الزرع، لكنه يمضي متواضعاً بين ضفّتيه. وانظر إلى الجبل: يظل شامخاً في مكانه، لا يتزحزح ولا يتفاخر، لكنه ملجأ العيون والقلوب.
كذلك يكون النجاح حين يسكن صاحبه، لا حين يتفاخر به.
لكن الحق يُقال: ليس كل بوحٍ بالإنجاز تباهياً. أحياناً، يكون الحديث عن الجهد نوعاً من الشهادة على صبرٍ طويل، أو رسالةً للآخرين أن الطريق وإن كان شاقاً، فإن ثماره ممكنة.
وما أجمل أن يُزيَّن الإنجاز بالتواضع، وأن يُرافقه الامتنان؛ امتنان لله الذي يفتح الأبواب، وامتنان للحياة التي تختبرنا، وامتنان للخطوات الصغيرة التي قادت إلى القمة.
التباهي المذموم هو الذي يُحوِّل الإنجاز إلى سلاحٍ للمقارنة، أو جدارٍ للفصل بين الناس، كأن النجاح لا يكتمل إلا بإذلال الآخرين.
أما النجاح الحق، فهو الذي يمدّ يده ليرفع من حوله، لا ليدوسهم. هو الذي يترك أثراً يشبه الأثر العطري في الهواء؛ قد لا يُرى بالعين، لكنه يُحسّ في الروح.
دع إنجازاتك تسكنك كما يسكن الضوءُ في الفجر؛ يملأ المكان جمالاً دون ضوضاء.
دعها تُعلِن عنك كما يُعلِن العطر عن الزهر، وكما يُعلِن القمر عن نفسه دون كلمة. واعلم أنّ الناس، وإن غفلت آذانهم عن صوتك، فإن أعينهم لا تُخطئ نورك.
فالنجاح ليس أن تقول: "ها أنا ذا"، بل أن يهمس العالم من تلقاء نفسه: "لقد مرّ من هنا إنسان ترك أثراً لا يُمحى."




