خبرني - حين نتجول في مدينة عمّان، نرى في ملامحها العمرانية شموخًا يحاكي الجبال التي تحتضنها، وتنوعًا بشريًا يُضفي على شوارعها روح الحياة. ولكن، وسط هذا الجمال الظاهري، يبرز سؤال جوهري: هل عمّان مدينة صديقة للإنسان؟ أم أنها صديقة للسيارات فقط؟
المدن لا تُقاس بجمال أبنيتها أو بعلو ناطحاتها، بل تُقاس بمدى احتضانها للإنسان، لكل إنسان. المدينة الصديقة للإنسان هي التي تُصمم لتكون عادلة، شاملة، آمنة، متاحة للجميع بلا استثناء. هي التي يشعر فيها الطفل بالأمان، وتتنفس فيها المرأة حرية الحركة، ويتنقل فيها كبار السن بلا مشقة، ويجد فيها ذوو الإعاقة طريقهم مُمهدًا نحو الكرامة والاستقلالية. فهل هذا هو حال عمّان اليوم؟
للأسف، تبدو عمّان وكأنها مدينة خُطّطت لتخدم السيارة لا الإنسان. الأرصفة إما ضيقة أو محتلة، والمشاة في كثير من الأحيان يضطرون إلى السير على أطراف الطرقات، يخاطرون بحياتهم في كل خطوة. الأطفال يفتقدون للمساحات الآمنة للعب، وكبار السن يجدون صعوبة في التنقل وسط شوارع مرتفعة ومنحدرات حادة تفتقر لأدنى معايير السلامة. أما ذوو الإعاقة، فغالبًا ما يُحبسون داخل منازلهم بسبب عوائق بسيطة كدرجات غير ممهّدة أو أرصفة دون منحدرات.
النقل العام، وهو العمود الفقري لأي مدينة إنسانية، ما زال في عمّان يعاني من التشتت والضعف، مما يدفع الناس نحو الاعتماد شبه الكامل على السيارات الخاصة. هذا الاعتماد الزائد لا يزيد فقط من الازدحام والتلوث، بل يُعمّق الفجوة الاجتماعية بين من يملك وسيلة نقل خاصة ومن لا يملك.
ولا يقتصر الأمر على الجانب المادي من البنية التحتية، بل يمتد إلى غياب التخطيط الشامل الذي يراعي التنوع البشري داخل المدينة. فكيف يمكن لمدينة أن تكون صديقة للإنسان، وهي لا تُشرك إنسانها في قرارات التخطيط والتطوير؟ كيف لها أن تدّعي العدالة، وهي تقصي الفئات الأضعف عن المشاركة في الحياة العامة؟
ليست المشكلة في عمّان وحدها، بل هي مرآة لسياسات عمرانية استمرت لعقود، وضعت التنمية في كفة، والإنسان في كفة أخرى. ولكن الأمل ما زال قائمًا. فمدن العالم تتغير، وتعيد ترتيب أولوياتها لتضع الإنسان في القلب، لا على الهامش. وعمّان، بكل ما تحمله من إرث وجمال وتاريخ، تستحق أن تكون من بين هذه المدن.
نحتاج إلى رؤية حضرية جديدة، تخرج من رحم الاحتياجات الحقيقية للناس، لا من مكاتب هندسية معزولة. نحتاج إلى مدينة تؤمن أن الإنسان ليس عبئًا على الشارع، بل هو صاحب الحق فيه. مدينة تعطي الأولوية للطفل لا للسيارة، للكرامة لا للسرعة، للانتماء لا للخرائط.
عمّان التي نحبها، لا بد أن تحبنا بالمثل. لا بد أن تتسع لنا جميعًا، كما اتسعت عبر التاريخ لثقافات متعددة وأرواح مختلفة. عمّان التي نريد، هي عمّان التي تمشي فيها بأمان، وتجلس فيها باطمئنان، وتكبر فيها بكرامة..




