*
السبت: 06 ديسمبر 2025
  • 12 أيلول 2025
  • 08:59
الكاتب: الدكتور زيد أحمد المحيسن

خبرني - منذ عقودٍ طويلة ونحن نضع بيضنا في سلةٍ واحدة، سلة الأحادية الأمريكية، ننتظر أن يفقس هذا البيض يومًا ما عن صداقة صادقة، أو تعاونٍ متبادل، أو شراكةٍ عادلة، لكن كل الانتظار مضى دون أن تخرج من هذه السلة سوى أصداء الوعود، ورائحة الخذلان. تُفتح خزائننا لأمريكا، تُهيّأ مطاراتنا لأساطيلها، وتُشرَّع موانئنا لسفنها الحربية والتجارية، وتُسخّر مواردنا وطاقاتنا لتكون في خدمتها، فيما لا نلقى منها سوى المساومة والضغط، والدعم المطلق لأعدائنا، والسكوت عن قضايا شعوبنا، والتنصّل من كل التزامات الصداقة والنصرة.
نتساءل، بمرارة  أليس من العار أن نستمر في تقديم هذه الخدمات والامتيازات لأمريكا، بينما لا نجد منها ما يليق بحجم ما نقدمه؟! أليس الأولى أن نراجع خياراتنا، وننفض عنا وهم التحالف مع من لا يؤمن بشيء سوى بمصالحه؟ ألا توجد في هذا العالم دولٌ أخرى، ربما أكثر عدلًا، أو على الأقل أقل نفاقًا في خطاباتها وسياستها؟
إن الولايات المتحدة لم تكن يومًا حليفًا حقيقيًا لنا، بل كانت دائمًا الحليف الأوفى لمن يهدد أمننا ويحتل أرضنا. حين نستعرض علاقتها مع العالم العربي، نجدها علاقة أحادية الجانب؛ نحن نُعطي وهم يأخذون، نحن نُقدّم وهم يشترطون، نحن نلتزم وهم يتخلّون. حتى المال العربي، الذي يتدفّق على البنوك والشركات الأمريكية، لا يُستثمر في شراكة تعود بالنفع على أوطاننا، بل يُعاد تدويره ليصبّ في مشاريع عسكرية أو اقتصادية تصبّ في مصلحة واشنطن وحدها.
إننا، كعرب، لم نحصل من هذه العلاقة إلا على "رضا مشروط"، لا يرقى إلى مستوى الاحترام، ناهيك عن الدعم أو التعاون البنّاء. ما زلنا نُعامل كأتباع، لا كشركاء. نُساير، نُنفّذ، نُموّل، بينما يُتّخذ القرار في واشنطن، ويُطبّق في عواصمنا دون نقاش. حتى حين نُحاول الانفتاح على قوى أخرى، تُرفع في وجوهنا لافتات التحذير، وكأننا قُصّرٌ لا نملك حق اختيار مستقبلنا.
لقد بات من الضروري أن نُدرك بأن الرهان على الأحادية الأمريكية لم يُثمر إلا تبعيةً سياسيةً واقتصادية، وأن بيضنا الذي وضعناه في سلتها، لم ولن يفقس عن تحالفٍ نافع. بل إن الاستمرار في هذه المعادلة الظالمة يُعد ضربًا من ضروب العبث السياسي الذي تُحاسب عليه الأجيال.
لسنا دعاة قطيعة، ولسنا ممن يرفعون شعارات العداء، ولكننا في ذات الوقت نطالب بحقنا في أن نُعامل كدولٍ ذات سيادة، لا كأدوات تنفيذ، نُؤمر فنتبع، نُرهب فنسكت، ونُغدق الأموال فلا نحصد إلا الصمت والتغاضي. إننا نملك ما يكفي من الإمكانات، والثروات، والعقول، لنُعيد صياغة تحالفاتنا على أساس من الندية والتعدد، لا من الإذعان والخضوع.
ما نحتاجه ليس فقط إعادة النظر في علاقتنا مع الولايات المتحدة، بل في مفهومنا للسيادة، وفي قدرتنا على بناء استراتيجية عربية موحدة، تُعيد رسم موقعنا على خارطة السياسة الدولية. آن لنا أن ننفض الغبار عن كرامتنا السياسية، وأن نكفّ عن انتظار ما لن يأتي، فبيضنا في الأحادية الأمريكية لم ولن يفقس ما دمنا لا نمتلك الجرأة على سحب السلة من تحت قدميها.

مواضيع قد تعجبك