*
الاحد: 28 ديسمبر 2025
  • 06 أيلول 2025
  • 14:42
الحق في الصورة كأحد مظاهر الحقوق الشخصية
الكاتب: المحامي الدكتور ربيع العمور

خبرني - يعد الحق في الصورة اليوم من ابرز الحقوق الشخصية التي حظيت بالاهتمام في العصر الحديث، اذ لم يعد مقتصرًا على حماية الاسم او اللقب او السمعة، بل امتد ليشمل حماية المظهر الخارجي للشخص الذي يشكل جزءًا اساسيًا من هويته الفردية والاجتماعية. ومع التطور الهائل في تقنيات الاتصال الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي وانتشار النشر الالكتروني، اصبح من الضروري توفير حماية قانونية متينة للصورة باعتبارها تجسيدًا للكيان الشخصي وامتدادًا طبيعيًا للحق في الخصوصية.

وقد تطرقت في كتابي الحقوق اللصيقة بالشخصية: الحق في النسيان – الحق في الخصوصية (دار العلمية الدولية للنشر والتوزيع، 2020) الى الحق في الصورة باعتباره احد الحقوق الشخصية الملازمة للفرد، مؤكدًا على ضرورة تحديث المنظومة التشريعية الاردنية لمواكبة التحولات التكنولوجية والاجتماعية، وتوفير آليات فعالة لحماية الافراد من الانتهاكات الرقمية لصورهم وهويتهم الشخصية.

اولًا: الاساس القانوني لحماية الحقوق الشخصية في القانون المدني الاردني

يعتبر القانون المدني الاردني مرجعية اساسية لحماية الحقوق الشخصية، ولا سيما المادتين (48) و(49)، اللتين نصتا على:

المادة (48): "لكل من وقع عليه اعتداء غير مشروع في حق من الحقوق الملازمة لشخصيته ان يطلب وقف هذا الاعتداء مع التعويض عما يكون قد لحقه من ضرر."

المادة (49): خصت المنازعة حول الاسم او اللقب بحماية خاصة، مع امكانية القياس على الحقوق الاخرى الملازمة للشخصية، بما فيها الصورة.

ويعكس النص على المادة (48) توجه المشرع الاردني الى توفير حماية عامة ومرنة للحقوق الشخصية دون حصرها او تقييدها، وهو ما يتيح للقضاء تفسيرها لتشمل اي انتهاك للصور الشخصية، سواء كان ذلك عبر النشر الالكتروني او وسائل الاعلام التقليدية. كما يضع هذا النص الاساس القانوني لالزام المعتدي بوقف الانتهاك وتعويض المتضرر، مما يعزز من قوة الحق في الصورة بوصفه حقًا ملازمًا للشخصية الانسانية.

ثانيًا: موقف الفقه والقضاء الفرنسي من الحق في الصورة

في فرنسا، يعتبر الحق في الصورة جزءًا لا يتجزأ من الحق في احترام الحياة الخاصة (droit au respect de la vie privée) المنصوص عليه في المادة (9) من القانون المدني الفرنسي. وقد اكدت محكمة النقض الفرنسية في سلسلة من الاحكام على ان لكل شخص الحق المطلق في السيطرة على صورته، ومنع الغير من نشرها او استغلالها دون موافقته الصريحة، حتى ولو لم يترتب على النشر ضرر مادي مباشر.

ويشير الفقه الفرنسي الى ان:

1. المساس بالصورة يمس حرمة الشخصية الانسانية بحد ذاته، ولا يقتصر على الاضرار المادية او الاقتصادية.

2. الحق في الصورة قابل للتقييد فقط بمصلحة عامة مشروعة، مثل التغطية الاعلامية لاحداث عامة او حماية الامن القومي، بشرط ان يتم ذلك دون المساس بالكرامة الانسانية للفرد.

3. للشخص حرية منع استخدام صورته لاغراض تجارية او دعائية دون موافقته الصريحة، حتى لو كان من الشخصيات العامة.
وقد ساهم هذا التوجه القضائي في تعزيز ثقافة احترام الهوية الفردية في فرنسا، وجعل الحق في الصورة اداة قانونية قوية لمواجهة الانتهاكات الرقمية والاعلامية.

ثالثًا: المقارنة بين القانون الاردني والفقه الفرنسي
عند المقارنة ، يتضح ان القانون الاردني لم ينص صراحة على الحق في الصورة، بينما الفقه والقضاء الفرنسيان منحاه مكانة قانونية واضحة ومحددة. ومع ذلك، توفر المادة (48) من القانون المدني الاردني اساسًا مرنًا يسمح للقضاء بتطبيقه على الانتهاكات المتعلقة بالصور الشخصية، واعتبار اي استخدام غير مشروع لها اعتداءً على الحق الشخصي.
وتفتح هذه المرونة الباب امام الاجتهاد القضائي الاردني لتطوير حماية متقدمة للصور الشخصية، خاصة مع تصاعد الانتهاكات الرقمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والنشر الالكتروني، حيث يمكن ان تتحول الصورة الى اداة لاهانة الفرد او استغلاله ماليًا دون موافقته.

يمكن للاردن الاستفادة من التجربة الفرنسية، خاصة فيما يتعلق بـ:

تحديد نطاق الاستثناءات المرتبطة بالمصلحة العامة.
وضع قواعد واضحة للاستخدام التجاري للصور الشخصية.

تكريس مفهوم الحق المطلق في السيطرة على الصورة ضمن حماية شخصية الفرد.

رابعًا: ابعاد الحق في الصورة
يمتاز الحق في الصورة بعدة خصائص اساسية:

1. الطابع الشخصي: الحق ملازم للشخص ذاته، ولا يمكن فصله عنه او التصرف به دون ارادته الصريحة.

2. البعد المالي: في بعض الحالات، يكتسب الحق في الصورة قيمة اقتصادية، كما في صور الفنانين او الرياضيين او الشخصيات العامة التي تستغل تجاريًا.

3. التقييد بالمصلحة العامة: لا يعد الحق مطلقًا، اذ يمكن التقييد به لاسباب تتعلق بحرية الصحافة والمصلحة العامة، شرط عدم المساس بالكرامة الانسانية.

4. البعد الرقمي: مع انتشار الوسائط الرقمية، اصبح الحق في الصورة عرضة لانتهاكات واسعة النطاق، مما يستدعي تطوير آليات حماية قانونية وتقنية متقدمة.

خامسًا: اثر التطورات التكنولوجية على الحق في الصورة

تطرح وسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي تحديات جديدة للحق في الصورة، مثل:

نشر صور الاشخاص دون موافقتهم لاغراض تسويقية او سياسية.

استخدام الصور في التزييف العميق (deepfake) بهدف الاساءة او الابتزاز.

تداول صور ضحايا الجرائم او الحوادث بطريقة تنتهك الخصوصية.

تستدعي هذه الظواهر تحديث التشريعات الاردنية لتواكب المخاطر الرقمية الحديثة، بما يشمل سن عقوبات مناسبة، وتوفير آليات قانونية لوقف الانتهاك وتعويض المتضرر.

ان الحق في الصورة يشكل اليوم ركائز اساسية لحماية الشخصية الانسانية، ويوازي في اهميته الحق في الاسم او السمعة. وعلى الرغم من ان المشرع الاردني لم يذكره صراحة في القانون المدني، فان المادتين (48) و(49) توفران ارضية قانونية لتفسيره وادخاله ضمن الحقوق الشخصية الملازمة اللصيقة للشخصية.

وقد تطرقت في كتابي الحقوق اللصيقة بالشخصية: الحق في النسيان – الحق في الخصوصية الى الحق في الصورة باعتباره حقًا ملازمًا للشخصية الانسانية، مؤكدًا على ضرورة استكمال المنظومة التشريعية الاردنية بما يتوافق مع التحولات التكنولوجية والاجتماعية الحديثة.

وتظل الحاجة قائمة لتعزيز التشريع الاردني عبر نصوص اكثر وضوحًا واجتهاد قضائي مدروس، بما يكفل حماية الافراد من الانتهاكات المتزايدة لحقوقهم الرقمية، ويضمن صون كرامتهم وهويتهم الشخصية في العصر الرقمي الحديث.

مواضيع قد تعجبك