خبرني - الأمن في الأردن لم يعد كما كان في الماضي؛ لم تعد حدود الدولة وحدها كافية لحمايتها، ولا الجنود والرتب العسكرية وحدها كفيلة بوقف التهديدات. اليوم، الأمن أصبح مفهومًا أوسع وأكثر تعقيدًا، يمتد من الأرض إلى الشاشة الصغيرة التي يحملها كل مواطن في جيبه. هذا ما يعرف بالأمن الهجين، حيث يلتقي الأمن التقليدي بالقوة الرقمية، ويصبح المواطن في قلب المعادلة أكثر من أي وقت مضى.
الهجمات اليوم لم تعد مجرد تحركات على الأرض، بل يمكن أن تحدث في ثوانٍ عبر شبكة الإنترنت: اختراق أنظمة حساسة، سرقة بيانات، أو حملات تضليل تغير الصورة العامة وتزعزع ثقة الناس بالدولة. تجربة الأردن أثبتت هذا بوضوح، حين تعرضت بعض المواقع الحكومية لاختراقات هزت الرأي العام، وأكدت أن الحرب لم تعد محصورة في الحدود، بل انتقلت إلى أجهزة كل واحد منا.
التشريعات الحالية، مثل قانون الجرائم الإلكترونية، حاولت أن تواكب هذا التحول، لكنها لم تحقق التوازن المطلوب. النصوص العامة والفضفاضة أثارت مخاوف أكثر من حمايتها للمواطن، وأوجدت حالة من الغموض بين ما يُعتبر جريمة وما هو مجرد نقد مشروع أو رأي شخصي. وهذا يضع المشرّع أمام تحدٍ حقيقي: كيف نحمي الدولة ومواردها دون أن نخنق حرية التعبير؟
الحل يكمن في قانون شامل للأمن السيبراني، يوضح مسؤوليات كل مؤسسة، ويضع آليات واضحة لحماية البيانات، مع إنشاء هيئة مستقلة قادرة على التصرف سريعًا في مواجهة أي تهديد رقمي. لا يكفي العقاب وحده، ولا يكفي الرقابة الصارمة دون إطار قانوني مدروس، يجب أن يكون واضحًا لكل مواطن لكل مؤسسة، بحيث يعرف الجميع ما هو المسموح وما هو الخطر الحقيقي.
في النهاية، الأردن لا يملك رفاهية الاختيار بين الأمن التقليدي أو الرقمي. الجنود على الحدود ضروريون، لكنهم وحدهم لا يكفون، والمبرمجون ومختصو الأمن الرقمي لا يمكن أن يحلوا محل الثقة المجتمعية التي تُعتبر العمود الفقري لأي دولة. التحدي الحقيقي هو التوازن: حماية الدولة، حماية المواطنين، والحفاظ على حريتهم في الوقت نفسه. والسؤال الذي يبقى مطروحًا: هل سنتمكن من إتمام هذا التوازن قبل أن تسبقنا التهديدات بخطوة؟




