*
الخميس: 11 ديسمبر 2025
  • 25 أغسطس 2025
  • 16:18
هل يدفع التاجر فاتورة التحول الرقمي وحده
الكاتب: سهيل راضي العتوم – محلل اقتصادي ومالي

خبرني - يشهد الأردن منذ سنوات تحولا متسارعا نحو الدفع الإلكتروني، سواء عبر البطاقات الائتمانية أو المحافظ الرقمية وخدمات الدفع الفوري مثل؛  QR و CliQ ويأتي هذا التوجه في إطار استراتيجية البنك المركزي الأردني لتعزيز الشمول المالي وتقليل الاعتماد على النقد. غير أن هذا التحول يخفي وراءه إشكالية اقتصادية عميقة تتمثل في تحميل التاجر وحده عبء العمولات المفروضة على عمليات الدفع، فيما يحصل المستهلك على مكافآت مباشرة مثل الاسترجاع النقدي (Cashback)، والنقاط، والجوائز.
من الناحية النظرية في الاقتصاد الجزئي، تقوم الأسواق السليمة على توزيع عادل لفوائد المبادلة التجارية بين طرفيها؛ المستهلك والمنتج. إذ يفترض أن يحصل المستهلك على فائض المستهلك (Consumer Surplus)، أي الفرق بين القيمة التي يرغب في دفعها والقيمة الفعلية المدفوعة. وفي المقابل، يحصل التاجر على فائض المنتج (Producer Surplus)، أي الفرق بين السعر الذي يتلقاه والسعر الأدنى الذي يقبل البيع عنده. غير أن معادلة الدفع الإلكتروني في الأردن تقلب هذه القاعدة؛ فبينما تتوسع مكاسب المستهلك عبر برامج الولاء، يتقلص فائض المنتج مع كل عملية دفع بسبب اقتطاع عمولة قد تصل إلى 3% من قيمة المبيعات.
هذا الخلل يؤدي إلى إزاحة التوازن (Equilibrium) في السوق. فبدلا من أن يتقاسم التاجر والمستهلك الفوائد الناتجة عن كفاءة الدفع الإلكتروني، نجد أن المستهلك يحقق مكاسب إضافية على حساب المنتج. ومع مرور الوقت، يضعف حافز التجار على قبول هذه الوسائل، ما يهدد استدامة التحول الرقمي بأكمله.
الأثر العملي لا يقف عند حدود التاجر فقط، بل يمتد إلى النشاط الاقتصادي الكلي. فعندما يتقلص فائض المنتج، يتردد التجار في الاستثمار أو التوسع في أعمالهم، وتزداد احتمالية التمسك بالتعامل النقدي لتجنب الخسائر الإضافية. والنتيجة أن الاقتصاد يفقد جزءا من الفوائد المتوقعة للتحول الرقمي، مثل تقليل التكاليف التشغيلية وتعزيز الشفافية المالية وزيادة سرعة دوران النقد.
إن العدالة الاقتصادية تقتضي إعادة النظر في هيكل العمولات. فالمطلوب ليس إلغاءها بالضرورة، بل توزيعها بشكل متوازن بين المستهلك والتاجر والبنوك. على سبيل المثال، يمكن تحميل المستهلك جزءا بسيطا من العمولة عند الدفع، بما يحافظ على فائض المنتج من التآكل، ويعيد التوازن إلى السوق. كما يمكن للبنوك أن تتحمل جزءا من التكلفة في إطار مسؤوليتها عن تعزيز الابتكار المالي.
بهذا الشكل، يتحقق نوع من الكفاءة الباريتوية (Pareto Efficiency)، حيث لا يتضرر طرف على حساب طرف آخر، بل يعاد توزيع المنافع بما يشجع على توسيع قاعدة الاعتماد على الدفع الإلكتروني. والنتيجة المتوقعة هي زيادة حجم المعاملات، وارتفاع الطلب الكلي، وبالتالي تعزيز النمو الاقتصادي والاستثمار.
في النهاية، لا يمكن للاقتصاد الرقمي أن ينجح إذا ظل التاجر هو الطرف الأضعف في المعادلة. المطلوب هو بناء منظومة دفع تحقق التوازن الحقيقي بين المستهلك والمنتج، وتضمن أن تكون فوائد التحول الرقمي مشاعة بين جميع الأطراف، لا أن يدفع طرف واحد الفاتورة بينما يستمتع الطرف الآخر بالمكاسب.
 

مواضيع قد تعجبك