خبرني - على مدى سنوات واصل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ترديد عبارة الشرق الاوسط الجديد في خطاباته الرسمية مقدما رؤيته على انها مشروع استراتيجي لاعادة تشكيل المنطقة سياسيا واقتصاديا وامنيا ،لم يكن الامر مجرد تعبير دبلوماسي عابر بل طرح متكرر ومقصود تزامن مع موجة تطبيع سياسي واقتصادي وثقافي في المنطقة وسط تصفيق ورضى معلن او ضمني من اطراف فاعلة في المشهد الاقليمي.
في تلك السنوات بدا وكان الخطاب يمر بسلاسة دون ان يثير اسئلة جادة لدى الشارع في الشرق الادنى او النخب السياسية والاعلامية فالمفردات كانت فضفاضة تحتمل التاويل وتسمح للمتلقي بان يقرأها وفق ما يريده او يتوقعه لكن ما ان بدأت ملامح المشروع تتضح ودخلت تفاصيله مرحلة الاعلان العملي حتى ظهرت موجة من ردود الفعل المتأخرة التي اتسمت بالاستغراب بل وبادعاء الصدمة او الجهل بحقيقة ما كان يطرح علنا.
التحول الابرز جاء حين انتقل الخطاب من عبارة الشرق الاوسط الجديد الى اعلان مباشر عن مفهوم اسرائيل الكبرى هذا المصطلح الذي ظل لسنوات في خانة التلميح التاريخي او التداول الاكاديمي خرج فجأة الى العلن من على المنابر السياسية وهو ما اثار حماسة مفاجئة لدى بعض الاطراف التي سارعت الى اطلاق تصريحات وطنية وخطابات نارية لكن هذه الحماسة لم تتجاوز حدود الاعلام وبقيت في اطار ردود الفعل الخطابية دون اي ترجمة سياسية او عملية على الارض.
السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هنا هو هل يمكن لنتنياهو ان يعلن مشروعا بهذا الحجم من دون ان يكون مسنودا الى تفاهمات او التزامات موثقة مع اطراف اقليمية او دولية، تاريخ السياسة الاسرائيلية كما السياسة العالمية يشير الى ان مثل هذه الخطوات لا تأتي ارتجالا بل تبنى على اسس تفاوضية صلبة سواء كانت معلنة او سرية.
هذا يفتح الباب امام قراءة اعمق اذا كان المشروع معروفا ومعلنا منذ سنوات فلماذا اختار البعض التظاهر بالمفاجأة والصدمة الان ،هل هي محاولة للتنصل من تبعات مواقف سابقة ام ان الامر يعكس غياب الرؤية الاستراتيجية لدى بعض صناع القرار الذين تعاملوا مع المشروع في بداياته باعتباره مجرد خطاب سياسي يمكن احتواؤه او تجاوزه.
في المقابل يظهر المسار الاعلامي والسياسي للملف ان المنطقة تعاني من فجوة مزمنة بين الفعل ورد الفعل فالخطاب الاسرائيلي يسبق بخطوات بينما يكتفي الخطاب المقابل له بالمطاردة المتأخرة ما يجعل المواقف تبدو دفاعية وعاجلة لا مبادرة واستباقية ،هذا النمط من التفاعل يضعف القدرة على صياغة بدائل او فرض شروط ويجعل مسار الاحداث يتشكل وفق رؤية طرف واحد.
في النهاية المسألة ليست مجرد جدل لغوي حول المصطلحات بل هي انعكاس لموازين قوة تتشكل على الارض ومشاريع ترسم على خرائط النفوذ الاقليمي، الشرق الاوسط الجديد واسرائيل الكبرى ليسا مجرد عناوين بل خطط عمل تتدرج من الفكرة الى التفاوض الى التنفيذ بينما تظل المنطقة في كثير من الاحيان في موقع المتلقي لا الفاعل.
الدرس الاهم ربما هو ان تجاهل التفاصيل في بداياتها يفتح الطريق امام مفاجآت كبرى في خواتيمها ،وفي عالم السياسة من لا يقرأ الخطة منذ سطورها الاولى سيجد نفسه يصفق لها دون ان يدري او يعترض عليها حين يصبح الاعتراض بلا جدوى.




