*
الاربعاء: 17 ديسمبر 2025
  • 15 أغسطس 2025
  • 23:22
حكاية الاعالي والسهول
الكاتب: زهير الشرمان

خبرني - هناك الغابة الكبرى حيث تتعانق ظلال الاشجار مع خيوط الضوء الاولى وتتنفس الارض بين مواسم المطر وحرارة القيظ ،كان هناك نهج قديم وراسخ لا يعرف التبدل نهج تشكل عبر اجيال متعاقبة حتى صار جزءا من طبيعة الغابة ذاتها في القمم العالية حيث الهواء اصفى والرؤية ابعد وأوضح تعيش طيور ذات اجنحة واسعة ترى البعيد قبل ان يراه غيرها وتعرف من اين تأتي الغيوم والى اين تتجه الجداول، هناك تتخذ القرارات حول اي جدول يفيض واي جدول يجف واي حبوب تخزن واي ثمار تقطف.

اما في السهول الممتدة بين الجداول والوديان فتسكن كائنات نشيطة ومواظبة تزرع الارض وتحرث التربة وتجمع الثمار وتبني السدود من طين النهر وفروع الشجر هذه الكائنات تستيقظ مع اول خيوط الفجر وتعمل حتى يحين الغروب تعرف ان قوتها في سواعدها وان ما تحصده مرتبط بما تبذله من جهد.

سكان القمم اكتفوا بارسال اصوات بعيدة محملة بكلمات عن الطمانينة والرخاء وتزيين مواسم الحصاد بوعود تتكرر مع كل عام جديد، كانوا بارعين في وضع القواعد التي تحدد ما يزرع وما يقطف وفي صياغة الحكايات التي تجعل الجميع يطمئن ان الغابة تسير في الاتجاه الصحيح، اما سكان الارض فظلوا يعملون بصمت مكتفين بما تجود به الظلال وما يسقط من موائد الاعالي.

وعندما تحلم القنادس بمياه اوسع لسدودها او تبحث الظباء عن ظل ارحب يأتيها الجواب في صورة تعويذة قديمة تقول ان الصبر فضيلة وان الرضا قناعة ،وحين يسال القرد عن موعد موسم افضل يقال له ان الفصول لا تستعجل وان لكل شيء وقته.

مرت سنوات وتعاقبت المواسم لكن المشهد لم يتغير النسور في القمم تزرع القوانين كما تزرع البذور والسهول تحصد ما قدر لها لا ما اختارته من بعيد كانت الغابة تبدو لوحة خضراء ساحرة اشجارها متشابكة وارضها خصبة لكن من يقترب يعرف ان لكل جناح سماءه التي يحلق فيها ولكل قدم طريقها الذي تسير عليه.

وهكذا بقيت الغابة في ظاهرها جنة منسجمة وفي باطنها عالمان متوازيان لا يلتقيان الا في لحظات عابرة تذكر الجميع ان الطبيعة وان جمعتهم في مكان واحد فان المسافات بين الاعالي والسفوح اوسع مما تبدو للعين.

مواضيع قد تعجبك