خبرني - لكيان الذي يصف نفسه بأنه “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” عاش طوال عقوده على وهم أنه له مكان ثابت تحت الشمس، كما صاغ نتنياهو في كتابه "مكان بين الأمم". لكن هذا المكان لم يكن يوما أكثر من وهم، مبني على الاحتلال، والتهجير، والاستعمار، وعلى القوة العسكرية والدعم الخارجي، وليس على العدالة أو الشرعية.
اليوم، تتكشف هشاشة هذا الكيان أمام عالم لا يرحم من يبني وجوده على الظلم. فقد أصبح صمود غزة محور قلقه الأكبر. القطاع الصغير، المحاصر والمعزول، أثبت عبر سنوات طويلة أن إرادة شعب مستضعف، مدعوم بإرادة وطنية قوية، قادر على مواجهة آلة عسكرية كبيرة. المقاومة في غزة ليست مجرد صراع عسكري، بل رمز لصمود شعوب لم تهزم رغم الحصار، العدوان، والمجازر المستمرة، وهو عامل يربك الحسابات الإسرائيلية ويزيد من شعور قادتها بأن مشروعهم ليس ثابتا.
إضافة إلى التحدي الخارجي، هناك أزمة داخلية حادة تهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي للكيان. الانقسامات السياسية بين الأحزاب المتطرفة والوسطية، صراعات النخب، التوتر بين الجيش والحكومة، فقدان الثقة بين المؤسسات، واستياء شعبي متزايد، كلها تجعل الكيان هشا أمام أي مواجهة مستقبلية. وحتى من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، فإن الفجوات بين الجماعات المختلفة تتسع، ما يزيد من احتمالات الاضطرابات الداخلية ويضعف قدرة الدولة على مواجهة التحديات الخارجية.
كل هذه العوامل تتقاطع مع ما يعرف بـ"لعنة العقد الثامن"؛ وهو التحذير التاريخي الذي يشير إلى أن أغلب الكيانات التي تأسست على القوة والسيطرة تبدأ بالانحدار عند بلوغ العقد الثامن من عمرها. الأمثلة كثيرة: روما، الاتحاد السوفييتي، ودول استعمارية أخرى، كلها انهارت بعد أن وصلت إلى هذه المرحلة، ما يجعل الكيان الحالي أمام اختبار الزمن الأعظم.
خطابات التوسع وأحلام “إسرائيل الكبرى”، التي يكررها قادتها في المحافل الدولية والكتب، لم تعد سوى ستار يخفي هشاشة الداخل. كل خطوة توسعية، وكل اعتداء على غزة أو الضفة، يذكرهم بأن القوة وحدها لا تضمن البقاء، وأن إرادة الشعوب وصمودها تعكس القوة الحقيقية التي لا تقهر..
كل ما اعتقدوا أنه أبدي في مكانهم تحت الشمس بدأ يتلاشى: غزة تثبت أن الحق لا يهزم، المشاكل الداخلية تكشف هشاشة النظام، والتاريخ يذكرهم بأن أي كيان بنى وجوده على الاحتلال والقمع وحده لن يخلد. مكانهم تحت الشمس ليس حقا مكتسبا، بل وهم مؤقت، يقترب موعد زواله مع كل انتفاضة، وكل صمود، وكل اختبار يفرضه الزمن والتاريخ على من يحاول البقاء بلا شرعية.
المحامي الدكتور ربيع محمود العمور




