عندما فارق طه حسين الحياة في 28 أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، لم يكن الحزن عند سوزان مجرد دموع أو غياب، بل انطفاء نور رافقها ما يزيد على نصف قرن، وكتبت تصف نهاية مشواره معها في مذكراتها: "لم يكن يبدو عليه المرض إطلاقاً ذلك السبت 27 أكتوبر/تشرين الأول، ومع ذلك، ففي نحو الساعة الثالثة من بعد الظهر شعر بالضيق. كان يريد أن يتكلم، لكنه كان يتلفظ الكلمات بعسر شديد وهو يلهث. ناديت طبيبه والقلق يسيطر عليّ. لكني لم أعثر عليه، فركبني الغم، وعندما وصل، كانت النوبة قد زالت، وكان طه قد عاد إلى حالته الطبيعية".

وتضيف: "ثم جاءت الليلة الأخيرة. ناداني عدة مرات، لكنه كان يناديني على هذا النحو بلا مبرر منذ زمن طويل. ولما كنت مرهقة للغاية، فقد نمت، نمت ولم أستيقظ، وهذه الذكرى لن تكفَّ عن تعذيبي".

توفي طه وتوقف القلب إلى الأبد، وتتذكر سوزان وفاة رفيق عمرها قائلة: "جلستُ قربه، مرهقة متبلدة الذهن وإن كنت هادئة هدوءاً غريباً (ما أكثر ما كنت أتخيّل هذه اللحظة المرعبة!) كنا معاً، وحيدين، متقاربين بشكل يفوق الوصف. ولم أكن أبكي - فقد جاءت الدموع بعد ذلك - ولم يكن أحد يعرف بعد بالذي حدث".

وتقول: "كان الواحد منّا قِبَلَ الآخر. مجهولاً ومتوحداً، كما كنّا في بداية طريقنا. وفي هذا التوحد الأخير، وسط هذه الألفة الحميمة القصوى، أخذتُ أحدّثه وأقبّل تلك الجبهة التي كثيراً ما أحببتها، تلك الجبهة التي كانت من النُبل ومن الجمال بحيث لم يجترح فيها السن ولا الألم أي غضون، ولم تنجح أية صعوبة في تكديرها … جبهة كانت لا تزال تشع نوراً".

لم تكن قصة حب سوزان بريسو وطه حسين مجرد لقاء جمع بين رجل وامرأة، بل كانت رحلة عمر امتزج فيها العقل بالعاطفة، والصوت بالنور، والاختلاف بالاتحاد، كانت سوزان عينيه التي لا تُبصر، وصوته الداخلي الذي لا يصمت، كانت ملاذه في العُزلة، ورفيقته في النجاح وفي قسوة الأيام.

أما هو، فكان حكايتها الثريّة التي كتبتها بالحب وبالاختيار الحر، في بيتهما، اجتمع الشرق بالغرب، والإسلام بالمسيحية، والفرح بالألم، أصبح بيتهما وطناً للروح والمعنى، وبعد رحيله ظلت سوزان شاهدة على حب لا ينطفئ، حاضنة لذكرى رجل، صنع النور من العمى، والحياة من الكلمة.