*
الاثنين: 22 ديسمبر 2025
  • 07 أغسطس 2025
  • 20:21
دائرة الأراضي والمساحة هوية وطن وأمانة رجال

في حضرة الوطن، تتجلّى بعض المؤسسات على هيئة رموز لا تشيخ، تنبض بالانتماء، وتعبق بالهوية، وتشهد على عراقة الدولة وامتداد تاريخها. ومن بين هذه المؤسسات الوطنية العريقة، تتقدم دائرة الأراضي والمساحة  إحدى قلاع السيادة الوطنية صفوف الهيئات السيادية، شامخة كالأرض التي تحفظها، راسخة كثبات الرجال الذين خدموا فيها، مقدّسة بما تمثله من رمزية الوطن، والهوية، والانتماء.

إن دائرة الأراضي والمساحة ليست مجرد مؤسسة حكومية تؤدي مهامًا فنية وتنظيمية؛ بل هي عنوان السيادة على الأرض، وخزان الذاكرة الوطنية، وحافظة حقوق المواطنين في ممتلكاتهم، وسند الدولة في إثبات الحق وتوثيق الملكية. هي الدائرة التي يحتضن درجها وجدرانها وأروقتها شواهدَ لا تُحصى على قصص الانتماء والتضحية والبذل في سبيل الوطن.

نحن، معشر المتقاعدين من هذه الدائرة المباركة، نحملها في قلوبنا كما نحمل الوطن، ونشعر أن في أعناقنا أمانة عظيمة: أن نبقى أوفياء لها، سندًا وعونًا لها، نمدّ يد المشورة والنصيحة، ونقف حيث يُطلب منّا الوقوف، نذود عنها بالكلمة والخبرة والحب الصادق، لأننا نعلم أن الدائرة التي احتضنتنا سنواتٍ طويلة، وصقلت فينا معاني الانتماء، تستحق منّا كل وفاء.

وكيف لا نحبها، وقد عشقنا حجارتها، وأحببنا أدراجها التي صعدناها بكل ما فينا من شغف العطاء؟ أدراجٌ خطا عليها المواطنون جيلاً بعد جيل، بحثًا عن الثبات القانوني، والانتماء الرسمي، والاستقرار في وطن يحكمه القانون وتوثقه المؤسسات.

ورحم الله الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، حينما زار هذه الدائرة ذات يوم، وتأمل أدراجها الحجرية التي تقوّست بفعل خطى الناس عليها، فقال: "هذا المشهد إنما يدل على عراقة هذه الدائرة وكثرة مراجعيها، وأهمية ما تؤديه من خدمات." فكانت كلماته وسامًا من قائد يعرف معنى المؤسسات، ويقرأ التاريخ من بين الحجارة.

واليوم، وبعد أن ترجلنا من مواقعنا الوظيفية، فإننا لم نترجل من مسؤوليتنا الوطنية، ولا من انتمائنا لهذه الدائرة. بل نعلنها بكل فخر: دائرة الأراضي والمساحة ستبقى في قلوبنا، أمانة في أعناقنا، كما الوطن، وكما قائد الوطن.
لن نتخلى عنها، ولن نتوانى عن خدمتها، ولن نسمح أن تُمسّ سيادتها أو تُمسّ هيبتها، فهي من الوطن، بل هي وطنٌ مصغّر في معناه ورسالته.

ألف تحية لكل الزملاء المتقاعدين من هذه الدائرة العريقة، وتحية أكبر للزملاء العاملين فيها، وأنتم أيها الأوفياء، لا تنسوا أن ما بينكم من جدران ليس جدرانًا من حجر فحسب، بل هي جدران من عرق الرجال، ودموع المواطنين، وأمانة الدولة.

كونوا كما كنتم، حصنًا للوطن، وعنوانًا للنزاهة، ودعامةً لهذه الدائرة السيادية.
ودمتم ودام الوطن بخير، وتحت راية القيادة الهاشمية الحكيمة.

 

مواضيع قد تعجبك