خبرني - سهيل راضي العتوم – محلل إقتصادي ومالي
شهدت الأسواق الأسبوع الماضي صدور بيانات اقتصادية أمريكية إيجابية فاقت التوقعات؛ حيث جاء الناتج المحلي الإجمالي (Advance GDP q/q) للربع الأخير أعلى من التقديرات بـ 0.5% بمعدل 3% بإرتفاع قدره 3.5% عن الربع السابق، كما أظهرت بيانات التغير في وظائف القطاع الخاص (ADP Non-Farm Employment Change) إضافة وظائف بأعداد أكبر من المتوقع، لتسجل 104 آلاف بزيادة قدرها 27 ألف عن المتوقع، مما يشير إلى استمرار قوة الاقتصاد الأمريكي. ورغم ذلك، قرر الاحتياطي الفيدرالي الإبقاء على سعر الفائدة عند مستوى 4.5% دون تغيير، في خطوة أثارت تساؤلات حول دوافع هذا القرار.
بحسب وتيرة البيانات المعلنة، كان لرفع الرسوم الجمركية على الواردات أثر كبير على ارتفاع أسعار السلع التي تشمل الأجهزة المنزلية، الملابس، وغيرها، مما بدأ يتسرب إلى مؤشرات التضخم الأساسية (CPI & PCE)، حيث أن مؤشر أسعار المستهلك Consumer Price Index استقر عند 2.9% ومؤشر الإنفاق الإستهلاكي الشخصي PCE ؛ وهو المقياس المفضل لدى الفيدرالي استقر عند 2.6% (سنوي) مقابل 2.4% في مايو، بارتفاع شهري 0.3% في يونيو، بعد 0.2% في مايو. أما مؤشر التضخم الأساسي Core PCE بلغ 2.8% سنويا، مستقر عن مايو ولكن أعلى من التوقعات. وبالتالي، لا تزال البيانات أعلى من هدف الفيدرالي البالغ 2%، ما يجعل البنك المركزي متحفظا حيال خفض الفائدة بشكل مبكر.
تعكس البيانات استمرار الضغوط السعرية فوق المستوى المستهدف البالغ 2%، رغم التراجع الكبير مقارنة بذروة 2022. هذا الوضع يضع الاحتياطي الفيدرالي أمام معادلة دقيقة؛ وهي الحفاظ على سياسة نقدية مشددة بما يكفي لضمان استقرار الأسعار، دون إلحاق ضرر مفرط بزخم النمو الاقتصادي وسوق العمل، ومحاولة إبقاء مؤشر الدولار DXY في المناطق السعرية القريبة من مستويات الـ 100.
ومع ذلك، فإن الرسوم الجمركية الأخيرة المفروضة على الواردات لعبت دورا رئيسا في كبح وتيرة تراجع التضخم، عبر دفع أسعار عدد من السلع الأساسية إلى الارتفاع، مما ساهم في إبقاء المؤشرات التضخمية فوق المستويات المستهدفة. ونتيجة لذلك، يبدو أن تثبيت سعر الفائدة الحالي سيظل الخيار الأقرب في الأمد القصير للفيدرالي، إلى حين ظهور بيانات أكثر وضوحا على انحسار الضغوط السعرية وعودة التضخم إلى المسار المستهدف.
فيما تم نشره في مقال سابق (محاولات لإعادة الدولرة – بين قرارات التعرفة والفائدة الأساسية)، تحدثنا عن الإنخفاض المستمر لهيمنة الدولار، وسياسة الفيدرالي المستمرة بالحفاظ على قوة الدولار الشرائية، بعيدا عن التناقض العملي مع سياسة إدارة ترمب، الذي يعمل على زيادة الإيرادات الحكومية من التعرفة الجمركية والضرائب. من أجل ذلك، أبدت القرارات الأخيرة المتعلقة بالرسوم الجمركية خلل في خفض وتيرة التضخم، مما يجعل الفيدرالي يصر على إبقاء السياسة الإنكماشية في الوقت الحالي.




