*
السبت: 06 ديسمبر 2025
  • 31 تموز 2025
  • 10:54
الكاتب: مزيد العرمان العجارمة


خبرني -                       قيادة تُحاكي التحديات بشجاعة وواقعية
   في لقاء استثنائي جمع جلالة الملك عبد الله الثاني بعدد من الكتّاب والإعلاميين الأردنيين، وفي ظل تعقيدات المشهد الإقليمي وتصاعد الأزمات الإنسانية والسياسية كشف الملك عن ملامح موقف سياسي وإنساني متماسك يضع الأردن في قلب الأحداث الإقليمية ويمنحه صوتًا أخلاقيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، ويؤكد أن السياسة الأردنية لا تُدار فقط من منطلق المصالح، بل من منطلق الأخلاق والضمير الجمعي، في توازن نادر بين الواقعية والحس الإنساني.
   حديث الملك أوضح أن فلسطين في القلب، ثابت لا يهتز، فقد أكد جلالة الملك أن الأردن يرفض بشكل قاطع محاولات تهجير الفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية، ويرفض الإجراءات الإسرائيلية الأحادية في القدس والمسجد الأقصى، مشددًا على أن أمن واستقرار المنطقة لا يمكن تحقيقه من دون حل عادل للقضية الفلسطينية.
    وفي لحظة حرجة تمر بها القضية جاء حديث الملك؛ ليؤكد أن الأردن ليس مراقبًا صامتًا، بل طرفًا فاعلًا يتحرك دبلوماسيًا وإنسانيًا لوقف العدوان وضمان حقوق الشعب الفلسطيني. 
    لم يكن البُعد الإنساني مجرد ملاحظة جانبية في هذا اللقاء، بل حضر كركيزة أساسية. الحديث عن الدعم الإغاثي للأشقاء في غزة جاء في سياق تأكيد أن الأردن يتعامل مع الأزمات بروح المسؤولية الأخلاقية، وليس بمنطق التجميل الإعلامي أو الاستثمار السياسي.
فإرسال الطائرات الإغاثية، وإنشاء المستشفيات الميدانية، والمواقف الدبلوماسية الداعية إلى وقف القتال، ليست فقط أفعالًا إنسانية، بل تعكس مبدأ الأردن الراسخ بأن قيمة الإنسان لا يجب أن تُختزل في التفاوض السياسي.
  كما لم يغِب الشأن الداخلي عن اللقاء، إذ شدد جلالة الملك على أن التحديات الإقليمية لن تعيق مسارات التحديث السياسي والاقتصادي. وأكد أهمية تطوير الحياة الحزبية في الأردن، وصولًا إلى انتخابات نيابية تُعبّر عن واقع سياسي متقدم يعكس التعددية والنضج السياسي. 
     واللافت في حديث جلالته كان إصراره على استمرار مسارات التحديث السياسي رغم الأزمات الإقليمية، مؤكدًا أن الانتخابات المقبلة تشكّل محطة مفصلية في تكوين أحزاب ناضجة قادرة على التعبير عن التنوع الاجتماعي والسياسي داخل المملكة.
وهذا يشير إلى وجود رؤية متكاملة في القيادة الأردنية: بناء الداخل لا يتعارض مع الانخراط الخارجي، بل يُكمله ضمن استراتيجية مستقلة قائمة على التوازن بين الانفتاح والدفاع عن السيادة الوطنية.
  وفي رسالة واضحة، تضع الإعلام الأردني خط الدفاع ومصدر الحقيقة حيث دعا الملك الإعلاميين إلى التصدي لمحاولات التشويش على الوطن، وأن يكونوا صوتًا للحقيقة والمنطق، مؤكدًا أن الإعلام المسؤول هو شريك أساسي في بناء الثقة الوطنية وترسيخ الرواية الأردنية الرسمية والمجتمعية.
  كما أن دعوة الملك للإعلاميين أن يكونوا ( حراسًا للحقائق) تعكس إدراكًا عميقًا لأهمية الجبهة الداخلية في دعم السياسات الخارجية. وفي زمن يسهل فيه ترويج الإشاعات وبثّ الفوضى المعلوماتية، يصبح الإعلام المسؤول جزءًا من منظومة الدفاع الوطني والدبلوماسي.
   وركز اللقاء أيضًا على الدور الإنساني الذي يؤديه الأردن في غزة، من خلال إرسال المساعدات الطبية والغذائية والمستشفيات الميدانية، إلى جانب التحرك السياسي لتسهيل دخول المساعدات ووقف القتال. الملك لم يتحدث كسياسي فحسب، بل كقائد يحمِل وجع الأمة ويتفاعل معه بشكل عملي وإنساني.
     حديث الملك عبد الله الثاني حديث قيادة تُحاكي التحديات بشجاعة وواقعية؛ ليؤكد أن القيادة الأردنية توازن بين المبادئ والمصالح، وتتبنى خطابًا عقلانيًا وإنسانيًا في مواجهة أزمات المنطقة. لم يكن اللقاء مجرد حوار، بل محطة وطنية لتجديد الالتزام بالحق، والتمسك بالقيم، وتحفيز الداخل الأردني نحو المزيد من الانخراط والتماسك.
   كما أن حديث الملك عبد الله الثاني يجسّد حالة سياسية وإنسانية نادرة في الإقليم، حيث تتلاقى الرؤية الأخلاقية مع البراغماتية السياسية. وبالرغم من التحديات الجيوسياسية والضغوط الاقتصادية، يحرص الأردن بقيادته على أن يُبقي الإنسانية في صُلب القرار السياسي، دون أن يتنازل عن مواقفه السيادية.
هذا اللقاء لم يكن مناسبة بروتوكولية، بل لحظة مكاشفة وطنية وإقليمية، قد تصلح لتكون نموذجًا في فن القيادة القائمة على الصدق والإنصاف.

مواضيع قد تعجبك