*
السبت: 06 ديسمبر 2025
  • 29 تموز 2025
  • 17:19
الكاتب: الدكتور زيد أحمد المحيسن

خبرني - في عالمٍ تتسارع فيه الأحداث وتتزاحم فيه الهموم، تبقى القيم الإنسانية النبيلة مرسى الأرواح التائهة، وبلسمًا يشفي القلوب المجروحة. إن ما يميز الإنسان الحقيقي ليس ما يملك من مال أو قوة، بل ما يحمله في قلبه من رحمة، وما يقدمه لأخيه الإنسان من عون ومساندة في أوقات الشدة.
وقد علّمنا ديننا الحنيف أن القيم ليست شعارات تُرفع، بل سلوكيات تُترجم على أرض الواقع، فتغدو الرحمة عبادة، والكلمة الطيبة صدقة، والتعاون فريضة، ومد يد العون واجبًا إنسانيًا وأخلاقيًا قبل أن يكون دينيًا.
قال رسول الله ﷺ: "اتقوا النار ولو بشق تمرة"، في دعوة عظيمة لفهم حقيقة العطاء؛ أنه لا يُقاس بحجمه بل بنيّة صاحبه. حتى التبرع القليل، بل حتى الكلمة الطيبة، قد تكون سببًا في رحمة عظيمة أو نجاة محتاج. إنها رسالة للإنسانية جمعاء: أن الخير لا يُحتكر للأغنياء، بل هو متاح لكل من ينبض قلبه بالحياة.
إن المشهد الذي نراه اليوم في الأردن، هذا البلد الذي وُلد من رحم المعاناة، والذي شرب أبناءه من نبع العروبة الصافي، هو خير دليل على أن القيم لا تموت. فحين ضاقت السبل بأهلنا في غزة، كان أبناء الأردن في الصفوف الأولى، يقدمون الدعم الغذائي ويجمعون التبرعات، لا بدافع شهرة أو مجد، بل بدافع الفطرة، والضمير، والواجب العروبي الأصيل. إنهم لا ينتظرون مكافأة، بل يعلمون أن ما يُقدم في وقت الحاجة، ولو كان قليلًا، فإنه عظيم عند الله، وكبير في ميزان الإنسانية.
الإنسان الأردني، بفطرته النقية، لا يقف محايدًا حين يرى ظلمًا، ولا يصمت حين تنتهك الكرامات. إنهم أبناء مدرسة عمر بن الخطاب، وخُلق النبي محمد ﷺ، الذين ما توانوا يومًا عن نصرة المظلوم، ورفض القهر، ومواجهة الجور، مهما كان الثمن.
وفي هذا يتجلى جوهر الإسلام الذي لا يُختزل في طقوس، بل يتمثل في نصرة الضعيف، ومساعدة المحتاج، وإغاثة الملهوف. قال الله تعالى: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾، وهذه دعوة مفتوحة لكل صاحب ضمير حي أن يكون لبنة في بناء الخير، لا معولًا في هدمه.
العطاء لا يعرف الحدود، ولا يُقيد بجغرافيا، ولا يُختزل بلغة أو جنسية. هو لغة عالمية، يفهمها كل من تذوق مرارة الجوع، أو شعر بثقل الظلم، أو جرب دمعة القهر. والعطاء الذي لا يحمل في طياته نية الرحمة والتضامن، يفقد روحه، ويتحول إلى مجرد صورة فارغة من معناها.
فلنُحيِ في نفوسنا شعلة القيم، ولنغرس في أطفالنا معنى الرحمة، ولنعلّمهم أن الكلمة الطيبة تبني، وأن اليد الممدودة للخير تفتح أبواب السماء. وما أجمل أن نُربّي الأجيال على أن الإنسان لا يُقاس بما يملك، بل بما يُعطي، ولا بما يقول، بل بما يفعل، لا سيما في زمنٍ تكثر فيه الشعارات ويقل فيه الإخلاص.
سيبقى أبناء الأردن، ما دام فيهم نبض، منارةً للمروءة، وعنوانًا للكرامة، ونموذجًا حيًّا للضمير العربي الحر، الذي لا يساوم على الحق، ولا يخذل المظلوم، ولا يغلق بابه في وجه المحتاج.
وستظل غزة في القلب، لأن في القلب مكانًا لا يسكنه إلا من يستحق.وغزة لها حصة الأسد في العون الاغاثي الإنساني  الأردني مدى الحياة ..
 

مواضيع قد تعجبك