*
الاحد: 28 ديسمبر 2025
  • 27 تموز 2025
  • 20:15
التوجيهي ليس نهاية العالم
الكاتب: د. أحلام ناصر

خبرني - في كل عام، وفي كل بيت فيه طالب ثانوية عامة، تعيش البيوت حالة طوارئ نفسية واجتماعية. يغير روتين الاسرة، وتتصاعد وتيرة التوتر، وتُختزل أحلام المستقبل في رقمٍ على شهادة، ويُحمَّل الطلبة عبء سنواتٍ طويلة في لحظة واحدة. في ظل هذه الأجواء، يبرز دور الأسرة الهام، لا كحاكم أو مراقب، بل كمصدر أمان ودعم نفسي حقيقي للطلبة، بعيداً عن ثقافة الضغط والتهويل التي تُثقل كاهلهم بدل أن تعزز قدراتهم وثقتهم بأنفسهم.
الثانوية العامة هي المحطة الأولى في حياتنا لا نهايتها، من المهم أن ندرك كاسرة ومجتمع أن الثانوية العامة ليست نهاية الدنيا، وليست المعيار الوحيد لنجاح أبنائنا أو اختفاقهم. إنها مجرد مرحلة دراسية، قد ينجح فيها الطالب بتفوق، وقد يتعثر، لكن ذلك لا يختصر مستقبله، ولا يحدد قيمته أو قدراته. كم من مبدعين وقادة في العالم لم تكن نتائجهم في الثانوية استثنائية، لكنهم صنعوا فرقاً لأنهم آمنوا بأنفسهم، ووجدوا من يؤمن بهم.
كما ان حب الاسرة للطالب ليس مشروطًا بالرقم الذي يحققه في الثانوية العامة، الطالب بحاجة لأن يشعر بانه مهم ومحبوب وانه مسموع "نحن نحبك مهما كانت نتيجتك"، لأن هذا النوع من الحب غير المشروط، يُشكل حجر الأساس في بناء ثقة الطالب بنفسه. الطالب الذي يشعر بأنه محبوب لذاته، لا لدرجاته، سيكون أكثر توازناً، وأكثر قدرة على التعامل مع التحديات، وأقل عرضة للانهيار النفسي في حال لم يحقق طموحاته او توقعات مجتمعه.
الضغوط التي يمارسها بعض الأهالي، سواء عبر المقارنات أو التهديد أو التهويل من الفشل، قد تؤدي إلى نتائج عكسية. فالطالب لا يحتاج إلى من يُشعره بالنقص، بل إلى من يحتويه، ويُطمئنه، ويشاركه رحلته التعليمية. كما أن النظرة المجتمعية المُبالغ بها نحو الثانوية العامة تزيد من هذه الضغوطات النفسية، وتحوّل هذا الامتحان إلى معركة وجود، مما يُدخل الطالب في دوامة من القلق، ويُضعف تحصيله بدلاً من تحسينه.
الأسرة الواعية تُدرك أن نجاح ابنها أو ابنتها لا يُقاس فقط بالمعدل، بل بالرحلة التي مرّ بها، والقيم التي اكتسبها، والمهارات التي تعلمها. هي من تزرع في أبنائها الحكمة والمرونة والفكر التحليلي، والقدرة على النهوض من الإخفاقات التي حتمًا سيتعرض لها خلال رحلة حياته، وتُعلّمهم أن الحياة مليئة بالفرص المتنوعة، وأن كل تجربة، مهاما كانت صعبة، تقرّبهم خطوة من النضج والنجاح.
إذا أردنا جيلاً قادر على قيادة المستقبل، فعلينا أن نربّيه على الثقة، لا الخوف، وعلى الإبداع، لا التلقين، وعلى الطموح، لا الخوف من التجربة. لنبني جيلًا مستقلا قويًا واثقًا من نفسه، لا بد من احتضانه وتقبله من اسرته أولا قبل المجتمع.
في النهاية، رسالة إلى أبنائي الطلبة، من أعماق قلبي، أنتم أكثر من مجرد رقم على ورقة، أنتم أحلام تمشي على الأرض، ولكلٍ منكم طريقه، ومجاله المميز نحو تحقيق نجاحه الخاص. وتحصيلكم في الثانوية العامة، ليست سوى محطة في بداية طريق طويل من سجل انجازاتكم في هذه الحياة.
فكم من أشخاص لم يحصلوا على معدلات عالية في الثانوية العامة، لكنهم حققوا نجاحات عالمية في حياتهم، وأبدعوا في مجالاتهم، وتركوا أثراً في هذا العالم. وكم من آخرين حصلوا على أعلى الدرجات، لكنهم لم يجدوا طريقهم في الحياة، لأن النجاح الحقيقي لا يُقاس بالأرقام، بل بالشغف، والإرادة، والاستمرارية، والدعم الذي نحصل عليه من محيطنا. فلنكن نحن ذلك الدعم، ولنبنِ بأسرتنا جيلًا واثقًا، متزنًا، وقادرًا على صناعة مستقبله بيده.
على سبيل المثال، كان ستيف جوبز ذا الأصول العربية، مولعًا بالتكنولوجيا منذ صغره، يعمل صيفًا ويدرس شتاءً في المدرسة، وابتكر أول شريحة إلكترونية وهو في المرحلة الثانوية. التحق بجامعة ريد، لكنه لم يُكمل دراسته بسبب ضائقة مالية وظروف أسرية، فترك الجامعة بعد فصل دراسي واحد، ليبدأ مسيرة غير تقليدية غيّرت وجه العالم.
توماس إديسون، مخترع المصباح الكهربائي، طُرد من المدرسة لأنه وُصف بأنه "غبي"، ومع ذلك أصبح من أعظم المخترعين في التاريخ. حيث قال (والدتي هي من صنعتني، لقد كانت واثقة بي؛ حينها شعرت بأن لحياتي هدف، وشخص لا يمكنني خذلانه)
الرسالة واضحة، النجاح مسار طويل لا تحكمه علامة على ورقة، بل عقلٌ منفتح، وقلبٌ واثق، ومجتمع يؤمن بأبنائه مهاما كان توجههم.
 

مواضيع قد تعجبك