خبرني - يشكل الأردن بتاريخه العريق وتنوعه الجغرافي والثقافي وجهة سياحية مميزة تستقطب الزوار من مختلف أنحاء العالم. فعند زيارة البتراء، أو التجول في أزقة جرش العتيقة، أو الاستمتاع بجمال وادي رم وصمت صحرائه، لا يبحث السائح فقط عن مشاهد طبيعية أو معالم أثرية، بل يرغب في أن يحمل معه شيئًا ملموسًا يخلّد هذه التجربة — هدية صغيرة، تذكارًا أصيلًا يحمل عبق المكان وروح أهله. وهنا تأتي أهمية الحرف والصناعات اليدوية الأردنية كعنصر جوهري في تكامل المنتج السياحي.
تمثل هذه الصناعات نافذة على الهوية الثقافية الأردنية، فهي تحمل في طياتها قصص الأجداد، وتُجسّد مهارات متوارثة عبر الأجيال، بدءًا من التطريز التقليدي، والخزف، وصناعة الفخار، إلى الزجاج المعشق، والحياكة، والنحاسيات، والمنتجات المصنوعة من البوص أو القش، وحتى الصابون المصنوع من زيت الزيتون الطبيعي في مدن كـ"الكرك" و"السلط".
السائح الذي ينفق المال والوقت لزيارة موقع أثري، يبحث في نهاية جولته عن تذكار فريد، لا شيء فيه من الطابع التجاري الباهت، بل يحمل لمسة يدوية تروي قصة. وهنا يجب على الجهات المعنية في الدولة، ومؤسسات القطاعين العام والخاص، أن تدرك أن دعم هذه الصناعات لا يخدم الحرفيين فقط، بل يعزز تجربة السائح ويرفع من قيمة المنتج السياحي الوطني بأكمله.
إن الحاجة باتت ملحة اليوم لإنشاء مدينة أو قرية حرفية متكاملة تحتضن الحرفيين الأردنيين من مختلف المحافظات، وتوفر لهم بيئة مناسبة للإنتاج والتسويق والتدريب. يجب أن تكون هذه المدينة مدعومة ببنية تحتية ملائمة، وتسهيلات مالية وتشريعية، وأن تُدمج ضمن المسارات السياحية الرسمية، بحيث تكون محطة أساسية في جولة أي سائح. فزيارة كهذه لا تُثري فقط تجربة الزائر، بل تخلق فرص عمل، وتُسهم في حفظ التراث الوطني.
كما يجب الاستثمار في نقل الحِرف إلى الأجيال الجديدة، من خلال ورش تدريبية، ودمجها في مناهج التعليم المهني والفني، وتشجيع الشباب على تعلمها وتطويرها باستخدام أدوات وتقنيات حديثة، دون التفريط بروحها التقليدية.
إن الصناعات اليدوية ليست فقط وسيلة لكسب العيش، بل هي تراث حيّ يجب حمايته وتطويره. والسياحة التي لا تحمل معها ذاكرة ملموسة، تكون ناقصة. فلنربط الماضي بالحاضر، ولنمنح السائح ما يتجاوز الصور الفوتوغرافية — لنمنحه قطعة من روح الأردن، تُصنع بيد فنان أردني، وتحمل حكاية وطن.




