خبرني - في زاوية من هذا الوطن الصغير الكبير، تتكاثر القنابل الاجتماعية والاقتصادية بصمت، بينما ندفن رؤوسنا في رمال البيانات المتضاربة والتقارير المتفائلة التي لا تعكس إلا القشور. الحقيقة التي لا مهرب منها أن الأردن يقف اليوم على شفا حفرة، لا من خطر متخيَّل، بل من كوارث حقيقية تتكشّف أمامنا كل صباح: بطالة متصاعدة، شباب يضيع بين التهميش والوعود المؤجلة، وفتيات يقفن على أبواب العنوسة لا لأنهن دون رغبة في بناء أسرة، بل لأن مفاتيح الاستقرار تُسحب من أيدي الجميع بلا خجل.
نحن لا نتحدث عن أزمة طارئة، بل عن معضلة متجذرة. حين تصل معدلات البطالة بين الشباب إلى أرقام تكاد تفوق التصور، فهذا ليس خللًا ظرفيًا، بل مؤشر انهيار قيمي واقتصادي قادم إن لم يُعالج. وحين تظل السياسات تراوح مكانها، دون تغيير في الرؤية أو جرأة في التطبيق، فالمحصلة واحدة: شباب محبط، هجرة عقول، واحتقان اجتماعي قابل للانفجار في أي لحظة.
أما الفتيات، فقصتهن لا تقل وجعًا. نسبة كبيرة منهن يدخلن سن الزواج، دون أن تتاح لهن فرص حقيقية لتأسيس حياة مستقرة. لا بسبب قصور في شخصياتهن، بل نتيجة ظروف معيشية صعبة، وواقع اقتصادي يعجز فيه الشاب عن بناء بيت أو حتى التفكير في الخطبة. تصبح المرأة رهينة منزل أهلها، تنتظر فرجًا لا يأتي، بينما تتآكل أحلامها كما تتآكل أرصفة مدننا تحت أقدام الفقر.
المعادلة واضحة، وإن تجاهلها المسؤولون: لا تنمية دون توظيف، ولا استقرار دون تمكين، ولا عائلة دون أساس اقتصادي متين. المجتمعات لا تنهار فجأة، بل تتآكل على مهل حين يغيب التخطيط، وتتراكم الأزمات، وتُترك الحلول للمجهول. الحكومات تأتي وتذهب، والديون تتضخم، بينما المواطن – خاصة الشباب – يقف على الهامش، متفرجًا على مستقبله يُنهب في وضح النهار.
من يعلق الجرس؟ من يملك الجرأة ليقول إننا أمام كارثة أخلاقية واقتصادية واجتماعية؟ لا نحتاج إلى شعارات ولا إلى برامج على الورق، بل إلى إرادة سياسية ومجتمعية تقرع ناقوس الخطر، وتعيد توجيه البوصلة نحو جوهر المشكلة: شباب بلا عمل يعني وطن بلا أمل، وفتيات بلا أفق يعني مجتمعًا معطّلًا عن الاستمرار.
الوقت لا يسير في صالحنا، والانتظار لم يعد خيارًا. إن لم تُستَنفر الدولة بكل مؤسساتها لوضع ملفي البطالة والعنوسة على رأس أولوياتها، فإن القادم سيكون أقسى مما يتخيله أحد. نحن لا نُهوِّل، بل نصف واقعًا يلمسه كل بيت، ويعيشه كل أب وأم، ويئن تحته كل شاب وشابة.
الإنذار الأخير دُق، فهل من سامع؟




