خبرني - في زمنٍ تتسارع فيه التحولات وتضطرب فيه الأوطان، يبقى الأردن – رغم ضيق موارده وتشابك تحدياته – وطنًا يحتضن أبناءه بالطمأنينة، ويوفّر لهم حدّ الكرامة من الأمن، والاستقرار، وفرص العيش، ولو بجهد ومشقة.
ومع ذلك، لا تخلو الساحة – الواقعية والافتراضية – من أصوات مأزومة، تتسلل من زوايا العدمية، وتُحاول جاهدة أن تُلبّد سماء الوطن بالسواد، وكأن الوطن لا يُرى إلا من ثقب ضيق، أو من نافذة مظللة بالحقد والجحود.
هؤلاء، وقد اتخذوا من النقد مطية للهدم، ومن جلد الذات هواية، لا يميزون بين البناء والتشهير، ولا يعرفون من الانتماء إلا اسمه. يهاجمون الوطن لا لأنهم يملكون بدائل أو رؤى، بل لأنهم عالقون في مشاعر سلبية، لا تنتمي إلى ثقافة الإصلاح، ولا تنطلق من ضمير مسؤول.
وإننا هنا، لا ننكر وجود التحديات، ولا نغضّ الطرف عن مظاهر التقصير أو الحاجة للتقويم. فالوطن كالكائن الحي، يمرض أحيانًا، ويتعثر، لكنه لا يستحق الطعن، بل العناية والاحتضان. والنقد البناء ضرورة وطنية، لكنه لا يُمارَس بالحقد ولا يُسوَّق بالتجريح، بل بالمسؤولية والصدق والانتماء.
إن الأردن، وهو يخوض في كل مرحلة اختبارًا جديدًا، ظلّ ملاذًا آمنًا، ليس فقط لأبنائه، بل لأشقاء احتضنهم رغم الضغوط. ظلّ يقدم الحدّ الممكن من الكرامة لأوسع شريحة، ويصون لحمة شعبه، ويجتهد – في ظل ظروف إقليمية ودولية معقدة – أن يحفظ سيادته واستقراره.
فهل يُكافَأ الوطن بالنكران؟ وهل يُقابل السهر على حدوده، والعمل في مؤسساته، والكدّ في ميادينه، بالتقليل والتشكيك والسوداوية؟
لقد آن الأوان لنقولها بوضوح:
الحرية لا تعني التهجم، والرأي لا يعني الإساءة، والنقد لا يُبيح الطعن. فكما أن الكلمة البناءة تصنع وعيًا، فإن الكلمة المضلِّلة تهدم الأمل، وتُربك العزائم، وتُضعف الثقة، بل وتسيء إلى الشرفاء الذين يعملون بصمت، ويصنعون الفارق في الظل، لا أمام الكاميرات.
ولأن الوطن ليس شعارات، بل مواقف، فإن الانتماء لا يُقاس بضجيج التعليقات، بل بصدق الولاء، وبأن نكون شركاء في التغيير لا متفرجين على العثرات. فالأوطان لا تُبنى بالانسحاب، ولا تنهض بالتحقير، بل بالإيمان، والصبر، والعمل.
أما أولئك الذين يأكلون من خير الوطن، وينامون في أمنه، ويتنفسون هواءه، ثم لا يرون فيه إلا النقص، فنقول لهم: إن الصمت أحيانًا أكرم من القول، وإن لم تكونوا يدًا تُعين على النهوض، فلا تكونوا معول هدم.
وفي الختام، نقف مع كل من يُحب هذا الوطن حبًا مسؤولًا، ويذود عنه بالقول والعمل، لا بالمبالغة ولا بالمزايدة، بل بالعقل والحكمة والنية الصادقة. لأن الأردن، وطن الكرامة، لا يُختزل في أرقام، ولا يُدان في لحظة غضب، ولا يُقوَّم بعينٍ حاقدة، بل يُقاس بقيمه، وبإنسانه، وبقدرته على الصمود والعطاء رغم كل الصعاب.
حفظ الله الأردن، وأبقى رايته عالية، ورزقنا من أبنائه عقولًا منصفة، وأقلامًا أمينة، وقلوبًا تعرف للوفاء طريقًا..




