خبرني - اصبحنا نعيش في عالم تزداد فيه سرعة التحولات وتختلط فيه الحقيقة بالوهم حيث برزت في السنوات الاخيرة ظاهرة لافتة تستحق الوقوف عندها وهي عودة الاهتمام الشعبي والنخبوي بموضوع المسيح الدجال ليس فقط بوصفه شخصية ميتافيزيقية في تراث الاديان بل كمفهوم يتجاوز الرمز الديني الى الاشارة لمرحلة انسانية حرجة قد تكون اقرب مما نظن.
في المنصات الرقمية والفضائيات بات من المألوف ان يظهر اشخاص يزعمون التنبؤ بالزلازل والحروب وحتى الاغتيالات ويبررون ذلك تارة بالنجوم وتارة بطاقة الكواكب او الهندسة الروحية والغريب ان بعض ما يقال يصيب احيانا او يبدو كذلك فيقع الناس ضحية دقة المصادفة ويتناسون السؤال الاهم كيف وصل هذا الشخص الى هذه المعرفة؟ وهل يمكن ان تشترى العقول بسهولة حين يغلف الكذب بغلاف العلم او الروحانية؟
في ظل هذا التداخل تسود حالة من التخدير العقلي وكأن البشرية في انتظار شيء ما قوة خارقة او قائد استثنائي او حتى منقذ يصوغ واقعا جديدا وسط هذا الفقد المتسارع للثوابت وفي هذا المناخ المليء بالضباب تعود تساؤلات قديمة بثوب جديد هل اقترب زمن الدجال ؟وهل وجد فعلا؟ وهل نحن على اعتاب مرحلة ما قبل لحظة الاعلان عنه؟
الروايات الدينية في مختلف الاديان تحدثت عن شخصية مخادعة ذات تأثير ساحر تحيط بها هالة من القدرات التي تتحدى التصديق وتتزامن مع لحظة اضطراب عالمي سياسيا واقتصاديا وروحيا ، اما في الرواية الاسلامية على وجه الخصوص يبرز الدجال كأعظم فتنة تمر بها البشرية يحمل مشروعا مموها يلبس الكذب ثوب الحقيقة ويقنع الناس لا بالقوة بل عبر السيطرة على الوعي والاحتياجات والواقع المزيف.
ورغم ان كثيرا من العقلاء يعتبرون الحديث عن الدجال نوعا من الاسطرة او الهروب من مواجهة الواقع الا ان تطورات التكنولوجيا الحديثة خاصة الذكاء الصناعي وتقنيات التزييف العميق والقدرة على خلق واقع افتراضي يتجاوز الخيال تجعل من سردية الدجال اكثر واقعية من اي وقت مضى.
نحن اليوم امام عالم يمكن فيه لفرد او نظام ان يقنع الملايين بما لم يحدث ويشكك الناس في اعينهم ويفرض نسخته من الحقيقة على الجميع في مثل هذا السياق يصبح السؤال هل الدجال شخص فقط ؟ ام مرحلة؟ ام منظومة متكاملة من التضليل والسيطرة والاقناع؟
المثير ان معظم الروايات لا تنكر ان الدجال قد يكون موجودا ينتظر اللحظة المناسبة للظهور وربما لا يكون ظهوره فجائيا بل نتيجة تمهيد طويل بدأت ملامحه منذ ان تسللت الخرافة باسم الطاقة وظهر التنجيم على انه علم واعتبر الكذب تسويقا ذكيا.
لكن بعيدا عن هويته يبقى التحدي الاهم هل نحن مستعدون؟
هل نملك الوعي الكافي لتمييز الحقيقة وسط زيف الاعلام؟
هل نمتلك مناعة فكرية تحصننا من الوقوع في فتنة تلبس الحق بالباطل؟
هل نربي ابناءنا على الايمان الحقيقي والعقل واليقين لا على الخوف والانبهار؟
ربما لا يمكننا منع العاصفة لكن يمكننا بناء جدران الوعي في وجهها فالمعركة ليست مع شخص يظهر بل مع منظومة تغزو العقول قبل ان تطرق الابواب.




