*
الخميس: 18 ديسمبر 2025
  • 06 تموز 2025
  • 11:05
اغتيال الارادة الشعبية
الكاتب: المحامي عبدالكريم الكيلاني

خبرني - تتعالى اصوات نشاز لتصفية الارادة الشعبية، في الانتخابات البلدية، و الاستعاضة عن مبدا الانتخاب الراسخ  منذ عقود بالتعيين الصادر من السلطة التنفيذية.


وتسعى هذه الاصوات  ان تطلق على ارادة القوى الاجتماعية والسياسية ، الرصاصة الأخيرة لتسير في موكب جنائزي تدفن  هذه الارادة ،وتلفُّها  بأكفان الفقه الرجعي الذي اكل عليه الدهر و شرب .

تحت ذرائع نظرية منقطعة الصلة عن  المبادىء العليا التي هي روح الدستور، تستأجر هذه الاقلام ،  للتراجع  عن مبادىء الحداثة الدستورية  التي تسير بها الدولة .


فتكريس مبدا سيادة الامة ،هو مغزى الدستور نفسه ، لأن ( الامة مصدر السلطات ) ، وهو ليس نافلة تشريعية ، وإنما روح الدستور ، الذي يرسخ للمواطنين حقوقا لا يمكن للسلطتين التشريعية و التنفيذية ان تتجاوز عليها .


مبدا الانتخاب في الادارة هو نواة الحياة الديموقراطية، في المجتمعات الحديثة، وهو مصدر رئيسي للرقابة على أعمال الادارات المحلية.

لماذا مبدا الانتخاب ؟ 

    •    اليوم، تُعتبر الانتخابات المنتظمة والحرة والنزيهة ركيزة أساسية للديمقراطية التمثيلية على المستويين الوطني والمحلي.
    •    تُشكل الهيئات المنتخبة في الإدارة المحلية (مثل المجالس البلدية ومجالس المحافظات) تجسيداً لمبدأ سيادة الشعب، حيث يمارس المواطنون حقهم في اختيار من يدير شؤونهم ويقدم لهم الخدمات الأساسية.

ولكن تحت ذريعة السلطة التقديرية للمشرع ، وان الدستور لم يحدد آلية اختيار ممثلي المجالس المحلية ، يمهد البعض لضرب الارادة الشعبية في مقتل ،
للعودة إلى تعيين اعضاء وممثلي الادارات المحلية .

ويتغافل اولئك، ان السلطة التقديرية للمشرع ، ليست مطلقة بلا قيد ، ولا  حبلا على غارب ، 

فنصوص الدستور لا تؤخذ بمعزل المبادىء و القواعد التي تساعد على تفسيره ، و لو كان بعضها خارج الوثيقة الدستورية ، و التي يطلق عليها الكتلة الدستورية ، وهي  إعلانات الحقوق و المواثيق ،التي توجب تكريس قواعد منظومة الحكم الديمقراطي وحماية حقوق الأفراد وحرياتهم .تفريعا على مبدا الامة مصدر السلطات ،ومن هنا نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق كل فرد ان يشترك في ادارة الشؤون العامة لبلده ،كما العهد الدولي  الخاص بالحقوق المدنية و السياسية الذي نص  ،على ان لكل مواطن ان يشارك في ادارة الشؤون العامة ،مباشرة او بواسطة ممثلين يختارون بالانتخاب .

ليس هذا فحسب ، فقد اصبح حق الانتخاب للمجالس المحلية ، واحدا من ( الحقوق المفضلة او الممتازة ) التي تعلو على غيرها لان لها وزنا في حياة المجتمع يعلو على سواها ، وهي لذلك يجب ان تكون محصنة من تدخل السلطة التشريعية .

و المشرع في إقراره للقوانين ،  مقيد بضابطي السند المعقول و السبب المشروع ، فما هو السبب المشروع للنكوص على عقبيه و التراجع عن النهج الديمقراطي الذي تسير به الدولة نحو المبادىء العليا للحكم المدني الرشيد !!! 


وان المادة ١٢٨ من الدستور الأردني 
نصت : . لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.

وعليه فلا تملك الحكومة و لا السلطة التشريعية، تحت مبررات التنظيم لشؤون الادارة المحلية ، ان تصادر حق الانتخاب وتعتدي عليه ،لانها بذلك ، تمس جوهر الحق الدستوري،
الذي يمثل التطبيق العملي  لقاعدة الامة مصدر السلطات .

"إن تصفية الإرادة الشعبية عبر التعيين في الإدارات المحلية لا يقوض فقط الأسس الدستورية لحكم الشعب، بل يترك آثاراً وخيمة على التنمية المحلية وجودة الخدمات. فالممثلون المعينون قد يفتقرون إلى المعرفة العميقة باحتياجات المجتمعات التي يديرونها، مما يؤدي إلى قرارات لا تخدم مصالح المواطنين الحقيقية وتراجع في كفاءة الخدمات المقدمة.
علاوة على ذلك، يفتح التعيين الباب واسعاً أمام المحسوبية وتغذية الفساد، ويقوض الشفافية التي هي جوهر الحكم الرشيد، حيث يغيب مبدأ المساءلة المباشرة للرأي العام. في المقابل، تُعد الانتخابات المحلية محفزاً حيوياً للكفاءات المحلية، حيث تشجع الأفراد المؤهلين على الانخراط في العمل العام، وتثري الإدارة البلدية بالخبرات المتنوعة. كما أنها تعزز الحس المدني والمسؤولية المجتمعية لدى المواطنين، وتُشكل مدرسة حقيقية لتأهيل القيادات الشابة للمستقبل. إن السعي نحو التعيين يتنافى مع النهج العالمي للدول التي تتبنى الديمقراطية والتنمية المستدامة، والتي تعتمد الانتخاب كسبيل وحيد لضمان تمثيل حقيقي وإدارة فعالة على المستويات كافة."

و ختاما ، في الوقت الذي تسعى فيه الدولة بكل مؤسساتها إلى تمكين الديموقراطية نعجب كل العجب ممن ينادي بوأدها  و التكبير عليها اربع تكبيرات

مواضيع قد تعجبك