خبرني - رغم أن الحرب لم تعلن رسميًا، إلا أن ما يجري حاليًا بين إيران وإسرائيل خرج من الظلّ إلى العلن، وتحوّل من رسائل أمنية محدودة إلى مواجهات مكشوفة تحمل بصمات جيشين نظاميين، وأذرع استخباراتية تُجيد العمل تحت الضغط. لكن السؤال الأخطر الآن: هل نحن أمام تصعيد محسوب بإيقاع مضبوط؟ أم أن المشهد آخذ بالتدحرج نحو حرب إقليمية واسعة لا تُبقي ولا تذر؟
ردّ مؤجَّل وتنازل محسوب: معادلة البقاء أولًا
إيران – كعادتها – لا ترد فورًا. بل تمتص الضربة، وتعيد ترتيب أوراقها. ما يهمّ صانع القرار الإيراني ليس تسجيل نقاط إعلامية، بل الحفاظ على التوازن الداخلي والإقليمي، وتفادي انفجار قد يهدد استقرار النظام نفسه.
في ضوء هذا، ثمة مؤشرات على أن طهران ستتّجه إلى مقايضة محدودة في ملفها النووي: تراجع تكتيكي خطوة إلى الخلف، ربما عبر تسليم جزء من المواد المخصبة بنسبة تفوق الحد المسموح به (60% وما فوق) إلى موسكو، أو تقليص حجم عمليات الطرد المركزي المتقدمة، مقابل تهدئة إقليمية وتجنب ضربة إسرائيلية ثانية.
هذا النوع من التنازلات لا يُقرأ كضعف بالضرورة، بل كلعبة شطرنج باردة: تقدم تنازلًا صغيرًا لتحفظ منظومة أكبر.
بنك الأهداف: إذا دارت عجلة النار
لكن هذه اللعبة، ما زالت محفوفة بالمخاطر. فإسرائيل بدورها باتت تتحرك بوقاحة استراتيجية غير مسبوقة، وتدفع نحو تحجيم النفوذ الإيراني بالمنطقة بالقوة، بعد أن أدركت محدودية تأثير العقوبات والضغوط السياسية.
وفي حال فقدت طهران صبرها، أو تم استهداف موقع حسّاس بدرجة تمسّ "الكرامة الاستراتيجية" – كما يسمّيها القادة الإيرانيون – فإن الرد قد لا يكون عبر الوكلاء، بل مباشرة، ومن العمق الإيراني إلى العمق الإسرائيلي.
التحليلات الاستخباراتية الغربية والإسرائيلية نفسها تُشير إلى أن بنك الأهداف الإيراني بات يشمل:
مفاعل ديمونة النووي في صحراء النقب.
مطارات عسكرية كمطار "حتسور" و"رامون".
مراكز استخباراتية حساسة كمقر "الموساد" و"الشاباك".
مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب.
مرابض الطائرات وقواعد القيادة الجوية في النقب والجليل.
بمعنى آخر، لم تعد المعادلة مجرد ردع بلديّ، بل تحوّلت إلى توازن رعب حقيقي.
الحرب الإقليمية: سيناريو متعدد الجبهات
إذا اندلعت الشرارة الكبرى، فإن المنطقة لن تبقى في نطاق المواجهة الثنائية. فالمشهد قابل للانفجار على أكثر من جبهة:
لبنان: حيث يمتلك "حزب الله" ترسانة صاروخية تُقدّر بمئات الآلاف، وعدد من الصواريخ الدقيقة.
سوريا: التي قد تتحول إلى ساحة حرب مفتوحة، خاصة مع تداخل المصالح الإيرانية والروسية هناك.
العراق: حيث تملك الفصائل الموالية لإيران قدرة على تهديد قواعد أميركية وإسرائيلية.
اليمن: الذي يُستخدم كورقة تهديد للملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
بكلمة أخرى، كل أطراف "محور المقاومة" تملك أوراقًا يمكن إشعالها بالتنسيق أو بالارتجال، ما يجعل من الحرب المقبلة – إن وقعت – نسخة موسعة من أكثر سيناريوهات الشرق الأوسط رعبًا منذ 1973.
الدور الأميركي: بين لجم التصعيد وحماية إسرائيل
الكرة – حاليًا – في ملعب واشنطن. هي اللاعب القادر على تهدئة الضغوط الإسرائيلية، أو على الأقل تجميد الموقف عند حافة الحرب. لكن الانقسام الداخلي الأميركي، وحالة الضبابية الاستراتيجية مع قرب الانتخابات، يجعلان من تحركها بطيئًا ومتردّدًا.
إذا فشلت واشنطن في ضبط الإيقاع، فإن الحريق القادم لن يحرق إسرائيل فقط، بل مصالحها الإقليمية، وتموضعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط لعقود.
أعتقد.. ساعات حرجة ومفترق تاريخي
نحن الآن أمام مفترق طرق حاد: إما تثبيت قواعد اشتباك جديدة تحفظ ماء وجه الجميع، أو التدهور نحو سيناريو حرب موسعة تُغيّر وجه المنطقة. الوقت يضيق، والأطراف تزداد تصلبًا، والجبهات تتهيأ.
وفي مثل هذا التوقيت، لا تكفي بيانات التهدئة ولا التصريحات النارية. المطلوب الآن إرادة سياسية حاسمة لإيقاف التدحرج نحو حرب لا رابح فيها.




