"زوجي صيّاد، وعائلته من الصيادين، وتعرفّنا على بعضنا البعض عن طريق الصيد، وكل ما يملك هو وعائلته، وكل ما بنوه طوال حياتهم فقدوه خلال الحرب"، كانت تلك قصة مادلين مع زوجها التي أثمرت عائلة مكونة من ساندي البالغة من العمر ست سنوات، وصافيناز ذات الأعوام الخمسة، وجمال ثلاث سنوات، ووسيلة سنة ونصف.

تسرد مادلين قصة معاناتها اليومية في التعامل مع طلبات أطفالها التي لا تستطيع تلبيتها بسبب الحرب والحصار، فتقول: "لا نستطيع أن نوفر شيئاً مما يطلبه أطفالنا، سواء الدجاج أو الفواكه أو غيرها، لأنها ليست موجودة أصلاً، أحياناً تقول لي ابنتي، أريد أن آكل "الكبسة" – وهي طبق يُحضّر في الشرق الأوسط من الأرز والدجاج والتوابل -، أقول لها: سأحضّرها لك بالأرز فقط، فترفض وتقول: أريدها بالدجاج، يشاهد أطفالي عبر الإنترنت الفواكه، مثل الموز والتفاح والبطيخ، فيطلبونها، لكن حتى المتوفر منها ثمنه مرتفع، سعر البطيخة الصغيرة في غزة يصل إلى 50 دولاراً، لا يمكن لأحد شراؤها بهذا الثمن، نتمنى أن يفكوا الحصار، لأننا تعبنا".

 

"البحر معاناة"

لم تقتصر حياة مادلين فقط على مهنة الصيد التي لم تخلُ يوماً من المعاناة، والتي "أجبرت عليها منذ نعومة أظافرها" لتوفير لقمة العيش، فقد حاولت مراراً طرق أبواب أخرى، إذ تعلمت تصميم الأزياء بعمر 16 عاماً، لكن لم يُقدّر لها العمل في هذه المهنة بسبب قلة الفرص. وفي عمر الحادية والعشرين، التحقت مادلين بإحدى الكليّات بتخصص "سكرتير تنفيذي"، لكنها لم تحصل على شهادتها بسبب عدم قدرتها على سداد رسوم الدراسة.

أكملت مادلين حياتها كما عرفتها في سنّ مبكرة، كصيّادة أسماك، وهي المهنة التي كانت تراها "هواية" أيضاً، إلا أن ذلك لم يعنِ أنها لم تجلب معاناة إضافية إلى حياتها. تقول مادلين: "مهنة الصيد هي هوايتي منذ صغري، لكنني أُجبرت عليها كمهنة، وكانت الظروف في غير صالحي، فأسعار الوقود مرتفعة، ومحرك قاربي كان معطلاً دائماً، والصيد كان قليلاً. يُضاف إلى ذلك أحوال الطقس، من شمس حارقة في الصيف، وبرد في الشتاء، البحر معاناة، عانيت كثيراً، أحتاج عشرين سنة أخرى من الكلام كي أعبّر عن مقدار معاناتي مع تلك المهنة".

ختمت مادلين مقابلتها معنا بانقطاع آخر للإنترنت، لكن ذلك لم يمنعنا من سماع كلمات أخيرة منها تدلل على مدى تعلّقها بالبحر:

"في صغري، كان بيتنا بعيداً أمتاراً قليلة عن البحر، لم تكن حافلة المدرسة تقلّني إلى البيت، بل إلى خيمة صغيرة كان أبي ينصبها عند البحر، حيث ينطلق لصيد الأسماك، فأجد والدي وقد وضع إبريقاً من الشاي على النار، وجهّز لنا بعض الأسماك المشوية".