خبرني - يأتي شهر حزيران حاملاً معه عبق التاريخ ووهج الحاضر، حيث تتجدد فيه معاني الفخر والانتماء في قلوب الأردنيين، وتتجسد فيه محطات وطنية صنعت هوية الدولة الأردنية الحديثة، ورسّخت مكانتها بين الأمم. ففي هذا الشهر يحتفل الأردنيون بذكرى الجلوس الملكي، والثورة العربية الكبرى، ويوم الجيش، وهي مناسبات متداخلة في المعنى والدلالة، تؤرخ لمسيرة نضال متصلة قادها الهاشميون، وشارك فيها أبناء الوطن بكل وفاء وتفانٍ.
في التاسع من حزيران، يستذكر الأردنيون يوم تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين سلطاته الدستورية، ليستكمل مسيرة والده المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، ويقود البلاد نحو آفاق من التحديث والانفتاح والإصلاح. لقد أثبتت السنوات أن الحكمة الهاشمية رؤية ثابتة لا تحيد عن مصلحة الوطن، وأن الملك عبدالله الثاني حمل الراية بثقة واقتدار، فكان الصوت العربي الأصيل في الدفاع عن القضايا العادلة، والداعم الأول للشباب والتعليم والتكنولوجيا، والضامن لاستقرار الأردن وسط إقليم ملتهب.
وتتزامن هذه الذكرى العزيزة مع العاشر من حزيران، تاريخ انطلاق الثورة العربية الكبرى، التي قادها الشريف الحسين بن علي عام 1916، حاملة لواء الحرية والوحدة والنهضة. لم تكن الثورة حدثاً عابراً، بل كانت نواة لمشروع سياسي وفكري ما زالت آثاره واضحة في بنية الدولة الأردنية، التي تأسست على مبادئ النهضة العربية، واستمرت في الدفاع عن كرامة الأمة وحقها في تقرير مصيرها. لقد بقي الأردن وفياً لمبادئ تلك الثورة، منفتحاً على المستقبل، ومتمسكاً بجذوره العميقة الممتدة من مكة والمدينة إلى عمّان والكرك وإربد.
وفي اليوم ذاته، يحتفل الأردنيون أيضاً بيوم الجيش، رمز الكرامة والشرف والتضحية. فقد كان الجيش العربي، وما زال، الحامي الأمين للتراب الوطني، والسند الصادق لمشروع الدولة، منذ معركة الكرامة الخالدة وحتى اليوم. لم تقتصر بطولاته على حدود الوطن، بل امتدت إلى مشاركات إنسانية في بقاع شتى من العالم، فكان نموذجاً في الاحتراف والانضباط والمبادئ. ويكفي الأردنيين فخراً أن جيشهم لم يكن يوماً أداة للقمع أو التسلط، بل ظل دوماً في صف الشعب، يحمل سلاحه بيد، ويزرع الأمل باليد الأخرى.
إن اجتماع هذه المناسبات في شهر واحد ليس صدفة، بل هو انعكاس لارتباط القيادة بالتاريخ، والتاريخ بالمؤسسة، والمؤسسة بالإنسان الأردني الذي أثبت أنه أهلٌ للثقة، وشريك حقيقي في البناء والتقدم. في حزيران، لا نحتفل بالماضي فحسب، بل نجدد العهد للمستقبل، ونتذكر أن ما تحقق لم يكن صدفة، بل ثمرة تضحيات وجهود وقيادة راشدة وشعب صابر.
كل عام والأردن بخير، ثابت على مبادئه، منيع بوحدته، قوي بقيادته، شامخ بجيشه، عزيز بأبنائه.




