*
الجمعة: 13 حزيران 2025
  • 09 حزيران 2025
  • 11:34
بعد نداء ولي العهد للإصلاح الرياضي… هل تتحوّل الأندية من مراكز وجاهة إلى شركات احترافية؟
الكاتب: د. طـارق سـامي خـوري

خبرني - في الوقت الذي تحوّلت فيه الرياضة حول العالم إلى صناعة قائمة بذاتها، تدرّ المليارات وتُدار بمنهجية الشركات، لا تزال الأندية الرياضية في الأردن محكومة بعقلية الهواية والمجاملات والمحسوبيات، مما يجعل الحديث عن التطوير مجرد أمنيات متكررة، تصطدم بواقع لم يتغير منذ عقود.

■ أزمة تبدأ من الداخل

أول العقبات التي تقف في وجه التحوّل إلى أندية محترفة، هي الهيئات العامة نفسها. ففي العالم، من يملك الأسهم يقرر، لأن المستثمر يبحث عن العائد ويهتم بمن يملك رؤية للنمو. أما في الأردن، فالهيئة العامة تنتخب وتُنتج على أساس العلاقات الشخصية، لا البرامج ولا الكفاءة. وهذا بحد ذاته يُعطّل أي تفكير استثماري أو إداري جاد.

■ لا ثقافة استثمار… ولا بيئة تشجع

ثقافة الاستثمار الرياضي ما زالت غائبة كلياً عن الوسط الرياضي المحلي. الجمهور ينظر للنادي كمكان للانتماء العاطفي فقط، والإدارات ترى في المناصب موقع وجاهة لا مسؤولية مؤسسية. ومع غياب الكفاءة، تنعدم المحاسبة، ويستمر الفشل موسماً بعد موسم دون مراجعة حقيقية.

■ خلل في البنية التشريعية والإدارية

القوانين الناظمة لعمل الأندية والاتحادات والوزارة لا تواكب التطورات العالمية. لا توجد تشريعات تشجّع على تحويل الأندية إلى شركات، ولا حوافز للمستثمرين، ولا حتى نظام واضح لمشاركة القطاع الخاص كشريك استراتيجي. الإدارات تُمنح صلاحيات مطلقة دون حوكمة حقيقية، والميزانيات تُدار بعيداً عن الشفافية والرقابة.

■ أندية بلا بنية… ولا مقومات

معظم الأندية لا تملك ملاعبها ولا مقراتها، ولا مصادر دخل مستقلة، ولا حتى مركزاً إعلامياً أو تجارياً يعزز علامتها. كيف لمستثمر أن يضع أمواله في كيان هش، يعتمد على مكرمات أو تبرعات محدودة، وتغيب عنه أبسط المقومات المؤسسية؟

■ النتيجة: مديونية وإخفاق وفوضى إدارية

هذا الواقع أنتج أندية غارقة في الديون، تعتمد على جهد أفراد لا على نظام، وتعيش على المجاملة والمواسم الانتخابية. تتغير الإدارات ولا يتغير شيء، لأن الخلل في المنظومة لا في الأسماء فقط.

■ كيف نبدأ التحوّل الحقيقي؟

     أولاً: إصدار قانون يتيح تحويل الأندية إلى شركات مساهمة عامة أو خاصة، وفق ضوابط واضحة.

     ثانياً: ربط حق التصويت بالمساهمة المالية، لا بالعضوية المجانية.

     ثالثاً: دعم حكومي لتأسيس صندوق يواكب الأندية في مراحل التحوّل، قانونياً ومالياً وإدارياً.

     رابعاً: إلزام الأندية التي تتلقى دعماً حكومياً بنشر ميزانياتها وموازناتها مدققة علنياً.

     خامساً: إعادة هيكلة البنية الإدارية والفنية للأندية، وتدريب الكوادر على العمل المؤسسي.

سادسًا: اشتراط أن يكون رئيس النادي وأعضاء مجلس الإدارة من الحاصلين على الحد الأدنى من المؤهل الجامعي، لضمان حدٍّ أدنى من الفهم الإداري والقدرة على التخطيط واتخاذ القرار.

■ في الختام…

الرياضة في الأردن تحتاج إلى شجاعة في القرار، لا مسكنات موسمية. ومن هنا، كانت مبادرة سمو ولي العهد، الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، بقرع جرس الإصلاح الرياضي خطوة فارقة تستحق التوقف عندها، ليس فقط لأنها جاءت من رأس الهرم الشبابي في الدولة، بل لأنها عبّرت عن وعي كامل بواقع الأندية والاتحادات وأركان المنظومة الرياضية في الأردن، ووضعت الإصبع على الجرح.

من يحب ناديه بحق، عليه أن يدفعه نحو الاحتراف والاستثمار والاستدامة، لا أن يبقيه رهينة للمجاملات والعشوائية.
الرياضة لم تعد هواية فقط… بل صناعة، ومن لا يدرك هذه الحقيقة، سيتأخر كثيرًا عن الركب، ويستمر في تكرار الخسائر… داخل الملعب وخارجه.

مواضيع قد تعجبك