كتب علي الدباس:
قبل عشر سنوات طرت للمرة الأولى إلى العراق بعد غياب سنوات طوال ؛ كانت بغداد كئيبة مريضة حزينة … مُتعَبة ومُتعِبة … مُرهَقة ومرهِقة…. وكانت الحروب اكلت منها والطائفيّة مزقتها وداعش أرهبتها وخربتها !
لم اجد في هذه السنوات الأولى إلا العراقيين سندا وظهيراً …. أعطوني الامن والأمان … ابتداء من الشريك وانتهاء بسائق التاكسي … أعطوني الحب والمحبة …. أعطوني مفاتيح النجاح وعناوين صحيحة …. ببساطة عشت معهم أخاً واحتضنوني ابناً وقابلوني مودة وبادلوني وبادلتهم محبة !
ولطالما ايضا كان الاردني مفضل عند العراقيين ومميز ؛ وكان حين يسألني شاب اردني تلقى عرضا للعمل في العراق عن وضع الأردنيين هناك كنت اقول له : الأردني هناك جوكر يحبه الجميع ويرتاح له الجميع ويحترمه الجميع ! ولطالما كان العراقيون أحبة الأردنيين … نستضيفهم منذ بداية التسعينات بحب وأخوة … نحبهم بحق دون منك لانهم اصحاب نخوة وأولاد عرب !
هلا بأبو حسين …. ابو حسين الورد … ابو حسين خوش ولد … علاوي … هكذا أحبوني وأحببتهم …. زرت النجف و كربلاء والبصرة وبغداد والسليمانية مئات المرات في عشر سنوات فلم أشعر إلا انني في بلدي وبين اهلي وربعي وعشيرتي وعزوتي!
شخصٌ واحد في العراق كان يكفيني شر السؤال … وكنت حين اتصل به طالبا الإذن أدباً بالسفر إلى العراق كان يجيبني العم العزيز ابو وسيم الذي كان أباً لي هناك (( هلا بيك عيني … عين غطى وعين فراش )) …. وهذه جملة لو تعلمون كم هي عظيمة تلخص كرم العراقي الذي يستعد فعلا لان يضعك بين جفنيه حمايةً وأمناً وأماناً وحباً ….
وذلك الاخ الاخر الذي كان لي شقيقاً خضت معه معارك كثيرة في معاملات كثيرة …. وذلك الشقيق الثاني الذي تلاقينا روحيا وفكرياً وقانونياً ولم نختلف إلا في معايير جمال النساء …. والاخ الثالث الذي كان دائماً فزعة وسندا ما ان يستمع لحاجة …. والاخ الرابع الذي يفرش لك الارض حباً رغم ضيق ذات اليد …. والاخ الخامس الذي تعاركنا كثيرا حين تضاربت مصالح الاعمال إلا انه كان محترما حتى في خصامه …. والاخ السادس الذي جمعتنا به الايام نرقع أمامه اخطاء غيرنا فيضحك ويقول في سره " مهابيل " …. حتى نادل المقهى الذي تخوض معه معركة حقيقية لأقنعه انني زبون ويجب ان ادفع الحساب وان علاقتنا ابتدأت قبل دقائق فلا داعي ان يدفعه هو …. اما سائق التكسي الذي يرفض ان يأخذ الأجرة وحين تقول له هذا باب رزق فيجيبك " لعنة الله عالرزق اللي يخلينا ما نسد الدين … عمي انتو ربع الكفاف الحمر " !
أكلتُ في بيوتهم وشبعت ؛ وشربت شايهم وخرمت ؛ وحضرت جاهاتهم وسعدت ؛ واجتمعت بمختلف طوائفهم ومشاربهم ففهمت …
أيعرف معشر الشباب ان العراقيين تغنوا قبل سبعين عاما بالأردن ونخوة الأردنيين وفزعتهم فقالوا عنا " درب بغداد لزموها الخيالة … ربع الكفاف الحمر والعُقُل ميّالة ! " ….
لا يمكن لمباراة او إعلامي خارج عن الملة الأخوية …. او جاهل غير مثقف في طبيعة العلاقة بين الشعبين ان يجرنا إلى نقطة خلاف لا سمح الله …. وها نحن نستعد لاستضافة منتخب العراق ليلعب مباراة لا تقدم ولا تؤخر للمنتخبين معاً …. لكنها ستكون بصمة واضحة للعلاقة بين الشعبين الشقيقين !
شعب العراق هو الأقرب للأردنيين في الطبائع والعادات والتقاليد اكثر من كل اهل الشام وبلادها بعد الشعب الفلسطيني التوأم الذي يعتبر " كربونة " عن الأردني ….. واعتزازنا بالعراق وشعبه كبير …. وربما يجهل جيلي تماماً اننا كنا بلداً واحداً في دولة اتحادية كونفدرالية قضى الله لها ان تعيش ستة اشهر فقط كان ملكها الشهيد الملك فيصل الثاني ونائبه الملك الحسين بن طلال … ولو قضى الله لها ان تعيش لكانت درة المشرق اليوم إلا ان الحاقدين الجاهلين ارادوا شيئاً آخر فانقلبوا وقتلوا هاشميي العراق اشد قتلة وأبشعها !
نحن بلد واحد وقبائل شمر تشهد على ذلك …. ونحن شعب واحد وطبائعنا تشهد على ذلك …. وكما كان يقال لي " عين غطى وعين فراش " اقول للعراقيين ومنتخبهم " نضعكم في رموش العين …. فأنتم اصحاب الدار ونحن ضيوفكم …. "
أهلا وسهلا ومرحباً بأسود الرافدين بين اهلهم وناسهم في بلدهم … في بلدهم …. في بلدهم …. وللعلم فالأردنيون اكثر شعب في الدنيا يحفظ نشيد موطني وسنشهد معاً في الملعب كل ذلك !
لطالما كانت عمان موئلا لأحرار العرب وعاصمة الوفاق والاتفاق …. هكذا كانت وهكذا ستبقى