*
الاربعاء: 10 ديسمبر 2025
  • 29 أيار 2025
  • 14:29
التعليم في الأردن شهادة على وطن يُخنق فيه الوعي
الكاتب: المحامي الدكتور ربيع العمور

 في بلدنا، التعليم مش مجرد قطاع بحاجة لتطوير...
هو جرح مفتوح، ومؤامرة ناعمة، وساحة معركة يُذبح فيها الوعي كل يوم، لكن بصمت.

من المدرسة للسجن المعنوي

يبدأ الطالب رحلته وهو حامل حلم صغير... حلم يكون إنسان.
لكن أول ما يفوت على المدرسة، بيبلّش مشروع ترويضه.
بدل ما يتعلم يفكر، ينصاع.
بدل ما يُسأل: "شو رأيك؟"، يُقال له: "احفظ... واخرس".
ينمو الطفل، مش على حب المعرفة، بل على الخوف من الامتحان، على رهبة العلامة، وعلى قناعة إن النجاح مش بالوعي، بل بالسكوت والطاعة.

الجامعة: قبر الحُلم... وغربة العقل

يصل الطالب للجامعة وهو مفكّر إنها بداية الحرية.
لكنه بيكتشف إنها امتداد للقيود... بس بربطة عنق.

التعليم الجامعي في الأردن مش ممر للنهوض... بل ممر للانتظار.
يندرس التخصص مش لأنه بيحبّه، بل لأنه "انقبل فيه".
يندفع قسط مش لأنه قادر، بل لأنه مجبر.
ينحفظ المنهاج مش لأنه مفيد، بل لأنه لازم ينجح.

الجامعة الأردنية، الحكومية أو الخاصة، تحوّلت من صرح أكاديمي إلى سوق استهلاك:

مكتبات فاضية، وكافيهات مليانة.

محاضرات مكررة، وأحلام معلّقة.

دكاترة كثير منهم شايفين حالهم فوق الطالب، مش مسؤولين عنه.

أبحاث تتعبى لتقرير الترقية، مش لحل مشاكل البلد.

خطط دراسية متحجرة، ومناهج ما إلها علاقة بسوق العمل، ولا بالحياة نفسها.

والأخطر؟ تكميم العقول.
من يرفع صوته، يُكسر.
من يسأل، يُتهم.
من يبدع، يُهمّش.
من يفكر خارج القالب، يُطرد من "الصف الأكاديمي".

والنتيجة؟ آلاف الخرّيجين... مش عارفين وين يروحوا.
شهادة في الجيب، ومرارة في القلب، وبطالة في الواقع.

سياسة إفقار عقلي ممنهجة

ليست المشكلة في الميزانية فقط، ولا في عدد الطلاب، ولا في رواتب المعلمين...
المشكلة أعمق.
المشكلة في النية: لا أحد يريد جيلاً يفكر.
بل يريدونه جيلًا يحفظ، يُطيع، يسير في الطابور، يردد لا يسأل، يستهلك لا ينتج.

علمونا كيف نجيب على الأسئلة، لكن ما علمونا كيف نطرحها.
علمونا كيف نكتب مقالًا، لكن ما علّمونا كيف نكتب واقعنا.
علمونا كيف ندرس القانون، لكن ما علّمونا كيف نواجه الظلم.

النتيجة: جيل ضائع

جيلٌ كامل تائه بين أحلامه وما فُرض عليه.
شباب يحملون شهادات، لكنهم لا يجدون عملًا ولا يعرفون المعنى.
خريجون لا يعرفون كيف يفكرون، فقط يعرفون كيف يملؤون فراغات الامتحانات.
مجتمع بأكمله يدور في حلقة مفرغة: تعليم → شهادة → بطالة → قهر → هجرة → لا شيء.

التعليم... مشروع تحرّر أم أداة سيطرة؟

سؤال يجب أن نواجهه بجرأة: هل نريد تعليمًا يخلق مواطنًا حرًا؟ أم تابعًا مطيعًا؟
هل نريد عقلًا حيًّا؟ أم عقلًا منسجمًا مع الرداءة؟
إن لم نبدأ بتفكيك هذا النظام، سنواصل تخريج أجيال تجهل نفسها، وتخاف أن تفكر، وتنتظر مصيرها بدل أن تصنعه.

لا تعليم في وطن يُخاف فيه من السؤال

لن تقوم لهذه البلاد قائمة ما دام التعليم فيها قائمًا على القهر، لا الوعي.
ولن ننهض بشعب يظن أن النجاح هو شهادة، لا فكرة.
إن أول طريق التحرر هو تعليم يُعيد للعقل حريته، وللروح فضولها، وللحياة معناها.

إما أن نُعيد تعريف التعليم، أو ندفن آخر ما تبقى فينا من أمل.

مواضيع قد تعجبك