إذا كان للتاريخ صرحٌ يُرتقى، وللعزةِ جدارٌ يُحتمى، وللثقافةِ تاجٌ يُرتدى، فإن الشوبك، بقلعتها الشمّاء، وتاريخها العريق، وعبقها الحضاري، تستحقُّ أن تتبوأ مقام الريادة، وتعلو إلى سدّة الإشراق، وتُتوَّج بلقبٍ هو شرفٌ للأرض والإنسان: "مدينة الثقافة الأردنية لعام 2025".
فما بين السجع والطباق، والتورية والجناس، والإنسياب النحوي والبياني، تنسجُ الكلمات وشاحًا من الفخر حول هذه المدينة الهادئة، التي تسكنُ الجبال، وتُشرف على المجد، وتحضنُ التاريخ والثقافة معًا....... .
يا سائلاً عن الشوبك، اقرأْ التاريخ، واملأ قلبك دهشةً من شموخ القلعة، وعظمة التراث، وإرادة الإنسان، وارتقِ في مدارج البلاغة لتفهم كيف يكون الصمود لغةً، والكرامةُ قصيدةً، والعلمُ منارةً.
إذ إننا في حضرة وطنٍ صغيرٍ بحجمه، عظيمٍ برسالته، شامخٍ بهويته، يُجدد عهده بالثقافة، ويؤكد أن الفكر لا تحدّه جغرافيا، وأن الحضارة لا يوقفها مدى، وأن العطاء لا يرتبط بعدد السكان بل بعزائمهم.
فمن بين تلك القمم الحجرية العتيقة، انبثقت الشوبك كجوهرة زمنية متلألئة، تسرد حكايات البطولة، وتبث عبق الحضارة في ثنايا التاريخ، فقلعتها لم تكن يوماً جداراً يصد الغزاة فحسب، بل كانت فكرًا يصد الجهل، وإرثًا يواجه النسيان، وراية تُرفع باسم الوطن،،.....
هنا، وُلدت الحكاية، ونسجت الجغرافيا أسطورتها، فتماهى الإنسان مع المكان، حتى صار التمايز بين الحجر والبشر ضرباً من ضروب الخيال.
ومع هذا الثراء التاريخي، يتلاقى الماضي بالحاضر، ليصوغ ملامح المستقبل، فلا يُذكرُ اسم الشوبك إلا وتنبجس من جنباته صورٌ من الوفاء، ومشاهد من الثبات، ودلائل على وعيٍ مجتمعي متقدم كان وسيظلُّ أساس كل مشروع تنموي حقيقي، فما حققته الشوبك من مكانة اليوم، ما هو إلا ثمرة لتلك الجهود الجماعية، والسعي الدؤوب نحو التميز، دون افتتان بالمظاهر، أو ارتهان للماضي، بل بانفتاح نحو الغد، وجدية في العمل.
فعندما نتأمل اليوم في المشهد الثقافي، نرى أن إعلان الشوبك مدينة الثقافة الأردنية ليس مصادفةً أو مجاملة، بل هو نتيجة لمسيرة طويلة من التراكم الحضاري، والمشاركة المجتمعية، والإيمان بأن الثقافة ليست ترفًا بل ضرورة بالتأكيد.
ففيها المكتبات تزدهر، والمنتديات تنشط، والمبادرات الشبابية تنبض بالحياة، هنا تجد الكاتب، والشاعر، والرسام، والمسرحي، والخطّاط، والموسيقي، يصوغون معًا فسيفساء فريدة تمثل روح المكان.
ففي عام 2025، تُسجلُ مدينتُنا، الشوبك، فصلًا جديدًا في سجلِّ التاريخِ، إذ تتوجُ كمدينةِ الثقافة الأردنية، حاملةً شعلةَ المعرفةِ، ورايةَ الحضارةِ، وراعيةً للأصالةِ والمعاصرة، إذ إنَّ اختيارَ الشوبك لتتوجَ بلقبِ مدينةِ الثقافة، هو اعترافٌ بمكانتها التاريخيةِ، واعترافٌ بدورها الحضاري، وتقديرٌ لإرثِها العريقِ، الذي يُعَبرُ عن أصالةِ الشعبِ الأردني، وتطلعاتِه نحوَ غدٍ أكثر إشراقًا......
وفي سياقِ هذا التحولِ، يبرزُ أنَّ رحلةَ الشوبك من قلعةِ الصمود إلى عرشِ الثقافة، ليست مجردَ انتقالٍ، بل هي ظاهرةُ تطورٍ وارتقاء، حيثُ يُدمجُ الماضي بالحاضر، ويُصاغُ المستقبلُ بأيدي الأجيالِ الجديدة، التي تَستلهمُ من تراثِها، وتسيرُ نحوَ بناءِ حضارةٍ متجددة.
فالثقافةُ ليستْ مجرّدَ كلماتٍ تُقال، بل هي روحٌ تُشِعُّ وعيًا، ونورٌ نهتدي به، وشعورٌ عميقٌ بالانتماء يُعزِّزُ قيمةَ الوطن، ويُحصِّنُ وحدتَه، ويصوغُ ملامحَ هُويّته.
وفي خضمِّ هذا الحدثِ، تتجلى بلاغةُ اللغةِ العربيةِ، التي تتراقصُ بينَ جناسٍ، وتطارحُ جِناسًا، وتتناسجُ بينَ السجع والطباق، لتُعبرَ عن عمقِ المعاني، وجمالِ الألفاظ، وبلاغةِ التعبير.
فالمدينةُ التي أصبحت منارةً للثقافة، تُجسدُ قولَ الحكيمِ: "الثقافةُ حياةُ الأمة، وارتقاءُها وتطورُها، وارتقاءُها لا يُعطى إلا لمن يُعلي من شأنِ علمِها، ويُعلي من قدرِ أدبِها".
ولا يُسعنا الا ان نتطرق في حديثنا عن الطبيعة الخلابة التي تحتضن الشوبك، وتُشكّل جزءًا لا يتجزأ من هويتها الثقافية......
فجبالها الموشّحة بالضوء، وسهولها الممتدة في الأفق، وتضاريسها التي تحكي عن صراع الحياة والجمال، تُعدُّ مصادر إلهام للشعراء والفنانين. فمن هنا، تأتي أهمية دمج البيئة في الوعي الثقافي، فالحفاظ على التراث الطبيعي لا يقل أهمية عن صيانة المعالم الأثرية، وكلاهما يشكلان الهوية المتكاملة للمدينة.
فحين نتحدث عن أهالي الشوبك، فإننا لا نراهم من مسافة، بل نراهم جزءًا من أنفسنا، نحن أبناء هذه الأرض الصامدة، السدّ الذي يحمي الوادي، والنبع الذي لا ينضب ماؤه.
إذ هم، وفي عمق وجودهم، حفظوا التاريخ كما يُحفظ المصحف في صدور المؤمنين، ونقلوا التراث كما تُنقل الأمانة بين الأجيال، فتزيّنت بيوتهم بحكايا الجدات، وازدانت ساحاتهم بالفرح والمناسبات، حتى باتت الشوبك كتابًا مفتوحًا، يقرأ فيه التاريخ بنكهة الذكريات.
وفي مواقفهم، يتجسد طباق الماضي والحاضر بوضوح؛ فها هم لا ينكرون القديم، ولا يُقصون الجديد، بل يصنعون من كليهما جسرًا ممتدًا نحو الغد السعيد...
وعند وصف شباب الشوبك فإنهم لم يكونوا بعيدين عن المشهد، بل كانوا في قلبه، كالشعاع يتسلل من خلف الغيم، يُضيء الطريق وينثر الدفء، فتحركوا بإيمان لا يعرف الكلل، وعملوا بصمت العارفين أن التغيير لا يحتاج ضجيجًا، بل يحتاج فكرة حرة، وإرادة صلبة،وبذلك أعادوا اكتشاف مدينتهم بعين مختلفة، فنظموا الفعاليات، وصاغوا المبادرات الشبابية التي تربط التراث بالمعاصرة، ليقولوا: نحن امتدادٌ لما كان، وبدايةٌ لما سيكون، فهم يشبهون الأغصان في شجرة الشوبك العتيقة؛ لا تنكسر في وجه الريح، بل تتمايل بحكمة، وتزهر حين يحين الوقت.
أما حافظات التراث نساء الشوبك، فكنّ صانعات التغيير وراويات الحكاية.
فلم يكنّ فقط في الخلفية، بل في طليعة المشهد الثقافي والاجتماعي، حيث قدنّ ورش العمل، وأطلقنّ المبادرات النسوية، وشاركنّ في الندوات، وغزلنّ من التراث ثوبًا معاصرًا يليق بالشوبك الحديثة.
فكنّ كالغيث حين يأتي، يُحيي الأرض وينبت الزهر، أو كالقمر في الليلة الظلماء، يضيء الطريق ويبعث الطمأنينة.
ومع هذا الزخم الثقافي، تبرز الشوبك كحاضنة للقيم، وكمرآة للوطن، وكترجمة حيّة للشعار الذي يحمله الأردنيون في قلوبهم: "الثقافة حياة"، إذ إنها تُقدّم للزائر والمتابع والمهتم، نموذجًا لما يمكن أن تكون عليه مدينة الثقافة: أصيلة في جذورها، منفتحة في رؤاها، واعية في خطابها، شاملة في عطائها.
وختامًا، فإن الشوبك، وهي تكتب اليوم فصلًا جديدًا في سجل المجد، تُثبت مرة أخرى أن الثقافة هي التي تصنع المدن، وتبني الأوطان، وتُوحد الشعوب، وتتحدث بصوت عالٍ: نحن لا نعيش على هامش الحاضر، بل نُشكّله، ولا نكتفي باستحضار الماضي، بل نُبدع الحاضر ونصوغ المستقبل.
فلتكن الشوبك، قلعة الصمود، ومنارة الثقافة، وبيت الحكمة، ومزار الجمال، ومصدر الإلهام......
ولتكن هذه اللحظة التاريخية بداية لعهد جديد، تُصبح فيه الثقافة في قلب التنمية، وتغدو المعرفة جزءًا من هوية كل أردني، ولتبقَ الشوبك رمزًا لكل مدينة تنبض بالإبداع، وتزدهر بالحكمة، وتُعلّم الأجيال كيف يكون الحرف درعًا، والكلمة وطنًا، والفكرة جسرًا نحو الغد.
حفظ الله الشوبك وأبناءها المخلصين......
وحفظ الله الأردن بقيادته الهاشمية الحكيمة، وأدام عليه نعمة الأمن، ورفعة المكانة، وسداد المسيرة.




