*
الاحد: 14 ديسمبر 2025
  • 11 أيار 2025
  • 22:13
مقارنة معيارية بين القضاء والإدارة في إزالة الشيوع  قراءة دستورية وقانونية
الكاتب: الدكتور غسان عذاربة


تُعد الحقوق العقارية من أبرز أركان الحماية التي يُؤطّرها الدستور الأردني، باعتبارها من الحقوق الأساسية المكفولة للمواطن، ولا سيما الحق في الملكية، الذي يُعدّ أحد الضمانات الدستورية الجوهرية التي لا يجوز المساس بها إلا وفقًا لمبدأ المشروعية وسيادة القانون.
وفي ضوء التطورات التشريعية التي عرفها القانون العقاري الأردني، وبخاصة قانون الملكية العقارية رقم (13) لسنة 2019، تبرز مسألة إزالة الشيوع بوصفها إجراءً يمس الملكية المشتركة، ويتطلب ضمانات إجرائية صارمة سواء في المسار القضائي أو الإداري، لضمان احترام الحقوق، وتحقيق العدالة، وحماية الملكية من أي تعسف أو تمييز.
إن نقل بعض صلاحيات إزالة الشيوع إلى دائرة الأراضي والمساحة، وهو جهاز إداري تابع للسلطة التنفيذية، يفتح بابًا مهمًا للنقاش حول حدود التدخل الإداري في الحقوق الخاصة، ويدعو إلى فحص مدى التوافق بين هذا التحول وبين المبادئ الدستورية الناظمة للفصل بين السلطات، والحق في اللجوء إلى القضاء، ومبدأ القاضي الطبيعي، وحق الدفاع والمساواة أمام القانون.
وفي هذا الإطار، تأتي هذه الورقة بوصفها قراءة دستورية وقانونية مقارنة بين المسارين القضائي والإداري في قضايا إزالة الشيوع، بهدف قياس مدى توافق الإجراءات الإدارية المستحدثة مع الضمانات الدستورية والقواعد القانونية المستقرة، وتحليل الأثر العملي لهذا التحول على حق الملكية وحسن سير العدالة.
تعد إزالة الشيوع من القضايا الحيوية في القانون العقاري الأردني، نظراً لتعدد الشركاء في ملكية العديد من العقارات. وقد شهد الأردن تحولًا تشريعيًا وإجرائيًا مهمًا بعد تعديل قانون الملكية العقارية رقم (13) لسنة 2019، والذي منح دائرة الأراضي والمساحة صلاحيات لإجراء إزالة الشيوع في حالات معينة. تهدف هذه الورقة إلى دراسة مدى نجاح الدائرة في تطبيق هذه الصلاحيات، من خلال مقارنة دقيقة بين المسارين الإداري والقضائي، وتحليل الجوانب القانونية والعملية لذلك.
أولاً: الإطار القانوني لإزالة الشيوع
1- إزالة الشيوع في المحاكم المختصة:
قبل تعديل القانون، كانت معاملات إزالة الشيوع تتم حصراً من خلال المحاكم النظامية، استناداً إلى قانون أصول المحاكمات المدنية، وقوانين دائرة الأراضي، والتشريعات ذات الصلة. وكان أحد الشركاء يتقدم بدعوى إزالة شيوع، لتسير وفق إجراءات قضائية مُحكمة تشمل التبليغ، واللجوء إلى الخبرة، واستكمال مراحل التقاضي حتى صدور الحكم القطعي من المحكمة المختصة. وقد كانت هذه الإجراءات تُنفذ ضمن إطار قانوني دقيق، يستند إلى فقه قانوني وتشريعي راسخ، ويستمد مشروعيته من المبادئ الدستورية المقررة في الدستور الأردني . 
2 - إزالة الشيوع في دائرة الأراضي:
على الرغم من أن قانون الملكية العقارية رقم (13) لسنة 2019 قد منح دائرة الأراضي والمساحة صلاحية النظر في معاملات إزالة الشيوع، بموجب المادة (102/ أ / ب) ومنح صلاحية لدائرة الأراضي والمساحة لإزالة الشيوع في القطع المشاعية خاصة ضمن نصوص مواد القانون الواردة في الفصل الخامس باب ( ازالة الشيوع ) وهي المواد ( 94 – 120 ) . ويتم ذلك وفق إجراءات إدارية تنظمها تعليمات صادرة عن دائرة الاراضي والمساحة .
وأجاز الطعن في قراراتها أمام محكمة البداية، فإن هذا التنظيم يثير إشكالية قانونية ودستورية جوهرية. فمن الناحية القانونية، يعتبر هذا النص نافذًا وفقًا للأصول التشريعية، إلا أن من الناحية الدستورية، يُلاحظ أن القرار الصادر عن دائرة الأراضي هو قرار إداري بطبيعته، صادر عن جهة تنفيذية، وله أثر مباشر على الحق في الملكية الخاصة، وهو من الحقوق التي تستوجب ضمانات قانونية وقضائية خاصة.
وإذ تنص المادة (101/1) من الدستور الأردني على أن "المحاكم مفتوحة للجميع... ولا يجوز محاكمة أحد إلا أمام قاضيه الطبيعي"، وتؤكد المادة (6) على مبدأ المساواة أمام القانون، فإن إسناد اختصاص النظر في الطعون على القرارات الإدارية إلى محكمة البداية، وهي محكمة مدنية لا تختص أصلاً بمراقبة مشروعية القرارات الإدارية، يُعد مخالفة لمبدأ التخصص القضائي، وخرقًا لمبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليه في المادة (27) من الدستور.
كما أن هذا الإسناد قد يؤدي إلى تقليص الحماية القضائية المكفولة للأفراد تجاه قرارات الإدارة، وذلك بحرمانهم من اللجوء إلى القضاء الإداري المختص (محكمة العدل العليا)، المعني بمراقبة مدى توافق القرار الإداري مع مبادئ المشروعية والعدالة.
وعليه، فإن هذا الوضع يستوجب مراجعة تشريعية تكفل الالتساق بين قانون الملكية العقارية والمبادئ الدستورية، وبخاصة ضمان خضوع القرارات الإدارية للرقابة القضائية المختصة، وتحقيق المساواة والحق في الوصول إلى القاضي الطبيعي.

مواضيع قد تعجبك