*
الاثنين: 15 ديسمبر 2025
  • 11 أيار 2025
  • 17:06
الهجرة العكسية الرقمية هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُعيد الكفاءات الأردنية من الخارج
الكاتب: د. لبنى حنا عماري

خبرني  - تُعَدُّ ظاهرة هجرة الكفاءات من أكثر القضايا تعقيدًا في المشهد التنموي الأردني. إذ تشير الإحصائيات إلى أن الآلاف من الأردنيين من أصحاب المؤهلات العليا يعملون في الخارج، سواء في الجامعات أو المؤسسات الصحية أو شركات التقنية متعددة الجنسيات، ما يشكّل استنزافًا خطيرًا للموارد البشرية الوطنية. وبينما قد تُعتبر هذه الظاهرة انعكاسًا لطموح الفرد في تحسين واقعه المهني، إلا أنها تمثل من جهة أخرى خللاً بنيويًا في البيئة الداخلية التي فشلت في احتضان هذه الطاقات. ومع التسارع التقني العالمي، وخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، يظهر سؤال محوري: هل يمكن تسخير الذكاء الاصطناعي لاستعادة الكفاءات الأردنية المهاجرة ودمجها مجددًا في مشاريع التنمية الوطنية؟
في عمق هذا السؤال تكمن إمكانيات كبيرة قد يوفرها الذكاء الاصطناعي، ليس فقط كأداة تقنية بل كمنهجية تحليلية واستراتيجية يمكن للدولة الأردنية أن تعتمد عليها في فهم أنماط الهجرة، وتحديد نقاط الضعف في سياسات التوظيف والإنتاج المعرفي، ومن ثم اقتراح حلول دقيقة وفعالة. يمكن استخدام تقنيات تعلم الآلة والبيانات الضخمة في تتبع مسارات الكفاءات الأردنية في الخارج، وتحليل دوافع هجرتهم، سواء أكانت اقتصادية، مهنية، أم اجتماعية، مما يوفر أساسًا علميًا لرسم السياسات التحفيزية المناسبة.
وفي هذا السياق، تبرز قصة الطبيبة الأردنية جانيت نشيوات كأحد الأمثلة الحية على قدرة الكفاءات الأردنية على تحقيق مكانة مرموقة في الخارج. فقد رشحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لمنصب الجراح العام في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو واحد من أرفع المناصب الطبية في البلاد. على الرغم من سحب ترشيحها في أقل من 24 ساعة، إلا أن هذه الحادثة تسلط الضوء على الكفاءات الأردنية في الخارج ومدى تأثيرها في المجالات العالمية. تُعتبر هذه القصة دليلاً على الإمكانيات الكبيرة التي يمتلكها الأردنيون في مختلف أنحاء العالم، وهي مثال واضح على قيمة العنصر البشري الأردني في عالم يتزايد فيه الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة لتسخير هذه الكفاءات في مشاريع وطنية.
وإذا ما تم استثمار الذكاء الاصطناعي في بناء منصات رقمية تربط الكفاءات الأردنية بالفرص المتاحة داخل المملكة، فإن تجارب مثل تجربة جانيت نشيوات قد تصبح أكثر شيوعًا. سيكون بإمكان الأردن استقطاب مثل هذه الكفاءات المتفوقة وتحفيزها على العودة إلى الوطن والمشاركة في بناء المستقبل الرقمي، مع ضمان بيئة تكنولوجية واحترافية قادرة على احتواء هذه الطاقات.
كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا محوريًا في تطوير منصات رقمية تفاعلية تربط المغتربين الأردنيين بفرص العمل والمشاريع الناشئة داخل المملكة. فعلى سبيل المثال، يمكن تطوير نظام ذكي يعمل على مطابقة ملفات الكفاءات الأردنية بالخارج مع فرص العمل في الداخل، بناءً على مؤشرات تتجاوز المؤهلات الورقية لتشمل المهارات الحقيقية وخبرات العمل والسياق الثقافي. هذا النوع من الأنظمة لا يساعد فقط في استقطاب الكفاءات بل أيضًا في تقديم تجربة مهنية مجزية للعائدين.
وفي تجربة دولية جديرة بالذكر، أطلقت الهند مبادرة "بناء الهند الرقمية" التي ربطت بين المهنيين الهنود في الخارج والمشاريع الوطنية في الداخل من خلال منصات ذكية تعرض فرصًا ذات قيمة حقيقية، مدعومة بحوافز ضريبية وتسهيلات إدارية. كما بدأت إستونيا بتنفيذ مشروع "الهوية الرقمية" الذي مكن العديد من الخبرات الإستونية المقيمة في الخارج من المساهمة في الاقتصاد الرقمي الوطني دون الحاجة للعودة الجسدية الكاملة، وهي مقاربة يمكن للأردن الاستفادة منها عبر تأسيس نماذج مشاركة رقمية للكفاءات.
من ناحية أخرى، يتطلب تفعيل هذه الأدوات الذكية بيئة تشريعية مرنة ومؤسسات قادرة على التكيف مع الواقع الرقمي الجديد. فالهجرة العكسية الرقمية لا تحدث في الفراغ، بل تحتاج إلى منظومة قانونية تشجع على الاستثمار في الكفاءات البشرية، وتقدّر المساهمة المعرفية، وتوفر أطرًا عادلة للانخراط في المشاريع الوطنية. فبدون هذه البيئة، قد تتحول محاولات استقطاب الكفاءات إلى مبادرات رمزية غير فعالة.
ولعل الأهم من ذلك هو البعد السيكولوجي والاجتماعي لعودة الكفاءات، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يدعم إنشاء سياسات إدماج اجتماعي ومهني تأخذ بعين الاعتبار المخاوف والهواجس التي يحملها العائدون، مثل استقرار التعليم لأبنائهم، والفرص المهنية للزوج أو الزوجة، وجودة الحياة والخدمات العامة. عبر تحليل هذه المعطيات، يمكن تصميم سياسات احتواء تراعي التنوع البشري وتعزز من قدرة الدولة على تقديم بدائل جاذبة للمغتربين.
إن الذكاء الاصطناعي ليس عصًا سحرية، لكنه فرصة استراتيجية متقدمة إذا ما استُخدمت بطريقة شمولية قائمة على المعرفة والتخطيط التشاركي. فبناء خارطة رقمية للكفاءات الأردنية في الخارج، وتفعيل أدوات الذكاء الاصطناعي في تحليل وفهم سلوكهم المهني وتوقعاتهم، من شأنه أن يشكّل نقطة تحوّل في رؤية الدولة لأبنائها المهاجرين، ليس فقط كطاقة اقتصادية محتملة بل كشركاء في صنع مستقبل البلاد.
إن السؤال الذي بدأنا به لا يُجاب عليه بتقنية فقط، بل بإرادة سياسية ومجتمعية ترى في الإنسان قيمة جوهرية وفي التكنولوجيا وسيلة لاستعادة الثقة وبناء المستقبل. من هنا، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي إذا ما وُظف بذكاء مؤسسي وضمن إطار من العدالة الرقمية والسياسات الاحتوائية، يمكنه أن يكون مفتاحًا لإعادة وصل ما انقطع بين الكفاءات الأردنية والوطن، وإطلاق مرحلة جديدة من التنمية يقودها الأردنيون أينما كانوا.

تُعَدُّ ظاهرة هجرة الكفاءات من أكثر القضايا تعقيدًا في المشهد التنموي الأردني. إذ تشير الإحصائيات إلى أن الآلاف من الأردنيين من أصحاب المؤهلات العليا يعملون في الخارج، سواء في الجامعات أو المؤسسات الصحية أو شركات التقنية متعددة الجنسيات، ما يشكّل استنزافًا خطيرًا للموارد البشرية الوطنية. وبينما قد تُعتبر هذه الظاهرة انعكاسًا لطموح الفرد في تحسين واقعه المهني، إلا أنها تمثل من جهة أخرى خللاً بنيويًا في البيئة الداخلية التي فشلت في احتضان هذه الطاقات. ومع التسارع التقني العالمي، وخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، يظهر سؤال محوري: هل يمكن تسخير الذكاء الاصطناعي لاستعادة الكفاءات الأردنية المهاجرة ودمجها مجددًا في مشاريع التنمية الوطنية؟
في عمق هذا السؤال تكمن إمكانيات كبيرة قد يوفرها الذكاء الاصطناعي، ليس فقط كأداة تقنية بل كمنهجية تحليلية واستراتيجية يمكن للدولة الأردنية أن تعتمد عليها في فهم أنماط الهجرة، وتحديد نقاط الضعف في سياسات التوظيف والإنتاج المعرفي، ومن ثم اقتراح حلول دقيقة وفعالة. يمكن استخدام تقنيات تعلم الآلة والبيانات الضخمة في تتبع مسارات الكفاءات الأردنية في الخارج، وتحليل دوافع هجرتهم، سواء أكانت اقتصادية، مهنية، أم اجتماعية، مما يوفر أساسًا علميًا لرسم السياسات التحفيزية المناسبة.
وفي هذا السياق، تبرز قصة الطبيبة الأردنية جانيت نشيوات كأحد الأمثلة الحية على قدرة الكفاءات الأردنية على تحقيق مكانة مرموقة في الخارج. فقد رشحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لمنصب الجراح العام في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو واحد من أرفع المناصب الطبية في البلاد. على الرغم من سحب ترشيحها في أقل من 24 ساعة، إلا أن هذه الحادثة تسلط الضوء على الكفاءات الأردنية في الخارج ومدى تأثيرها في المجالات العالمية. تُعتبر هذه القصة دليلاً على الإمكانيات الكبيرة التي يمتلكها الأردنيون في مختلف أنحاء العالم، وهي مثال واضح على قيمة العنصر البشري الأردني في عالم يتزايد فيه الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة لتسخير هذه الكفاءات في مشاريع وطنية.
وإذا ما تم استثمار الذكاء الاصطناعي في بناء منصات رقمية تربط الكفاءات الأردنية بالفرص المتاحة داخل المملكة، فإن تجارب مثل تجربة جانيت نشيوات قد تصبح أكثر شيوعًا. سيكون بإمكان الأردن استقطاب مثل هذه الكفاءات المتفوقة وتحفيزها على العودة إلى الوطن والمشاركة في بناء المستقبل الرقمي، مع ضمان بيئة تكنولوجية واحترافية قادرة على احتواء هذه الطاقات.
كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا محوريًا في تطوير منصات رقمية تفاعلية تربط المغتربين الأردنيين بفرص العمل والمشاريع الناشئة داخل المملكة. فعلى سبيل المثال، يمكن تطوير نظام ذكي يعمل على مطابقة ملفات الكفاءات الأردنية بالخارج مع فرص العمل في الداخل، بناءً على مؤشرات تتجاوز المؤهلات الورقية لتشمل المهارات الحقيقية وخبرات العمل والسياق الثقافي. هذا النوع من الأنظمة لا يساعد فقط في استقطاب الكفاءات بل أيضًا في تقديم تجربة مهنية مجزية للعائدين.
وفي تجربة دولية جديرة بالذكر، أطلقت الهند مبادرة "بناء الهند الرقمية" التي ربطت بين المهنيين الهنود في الخارج والمشاريع الوطنية في الداخل من خلال منصات ذكية تعرض فرصًا ذات قيمة حقيقية، مدعومة بحوافز ضريبية وتسهيلات إدارية. كما بدأت إستونيا بتنفيذ مشروع "الهوية الرقمية" الذي مكن العديد من الخبرات الإستونية المقيمة في الخارج من المساهمة في الاقتصاد الرقمي الوطني دون الحاجة للعودة الجسدية الكاملة، وهي مقاربة يمكن للأردن الاستفادة منها عبر تأسيس نماذج مشاركة رقمية للكفاءات.
من ناحية أخرى، يتطلب تفعيل هذه الأدوات الذكية بيئة تشريعية مرنة ومؤسسات قادرة على التكيف مع الواقع الرقمي الجديد. فالهجرة العكسية الرقمية لا تحدث في الفراغ، بل تحتاج إلى منظومة قانونية تشجع على الاستثمار في الكفاءات البشرية، وتقدّر المساهمة المعرفية، وتوفر أطرًا عادلة للانخراط في المشاريع الوطنية. فبدون هذه البيئة، قد تتحول محاولات استقطاب الكفاءات إلى مبادرات رمزية غير فعالة.
ولعل الأهم من ذلك هو البعد السيكولوجي والاجتماعي لعودة الكفاءات، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يدعم إنشاء سياسات إدماج اجتماعي ومهني تأخذ بعين الاعتبار المخاوف والهواجس التي يحملها العائدون، مثل استقرار التعليم لأبنائهم، والفرص المهنية للزوج أو الزوجة، وجودة الحياة والخدمات العامة. عبر تحليل هذه المعطيات، يمكن تصميم سياسات احتواء تراعي التنوع البشري وتعزز من قدرة الدولة على تقديم بدائل جاذبة للمغتربين.
إن الذكاء الاصطناعي ليس عصًا سحرية، لكنه فرصة استراتيجية متقدمة إذا ما استُخدمت بطريقة شمولية قائمة على المعرفة والتخطيط التشاركي. فبناء خارطة رقمية للكفاءات الأردنية في الخارج، وتفعيل أدوات الذكاء الاصطناعي في تحليل وفهم سلوكهم المهني وتوقعاتهم، من شأنه أن يشكّل نقطة تحوّل في رؤية الدولة لأبنائها المهاجرين، ليس فقط كطاقة اقتصادية محتملة بل كشركاء في صنع مستقبل البلاد.
إن السؤال الذي بدأنا به لا يُجاب عليه بتقنية فقط، بل بإرادة سياسية ومجتمعية ترى في الإنسان قيمة جوهرية وفي التكنولوجيا وسيلة لاستعادة الثقة وبناء المستقبل. من هنا، يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي إذا ما وُظف بذكاء مؤسسي وضمن إطار من العدالة الرقمية والسياسات الاحتوائية، يمكنه أن يكون مفتاحًا لإعادة وصل ما انقطع بين الكفاءات الأردنية والوطن، وإطلاق مرحلة جديدة من التنمية يقودها الأردنيون أينما كانوا.

مواضيع قد تعجبك