من مصلحة أي محتل أن توجد حركات نضالية تعمل خارج الإطار الرسمي للدولة، فهذه الحالة تصب مباشرة في مصلحته وتخدم أهدافه على المدى القريب والبعيد. غياب المركزية وتعدد الأجسام التي تدّعي تمثيل المقاومة يؤدي إلى إرباك داخلي، وانقسام في الرأي العام، وتشكيك بقدرة الجيوش النظامية، بل وتحويل الأنظار عن جوهر الصراع إلى صراعات جانبية.
عندما تنشأ حركات نضالية بمعزل عن المؤسسة العسكرية للدولة، فإنها تخلق حالة ازدواج في السلطة الشرعية، وتعيد تعريف مفاهيم مثل "الوطنية" و"الخيانة" بشكل شعبي فضفاض، يتحول فيه الجيش إلى خصم بينما تُقدّم تلك الحركات كرمز وحيد للمقاومة. هذا الأمر يُضعف بنية الدولة، ويفتح المجال أمام المحتل ليستثمر في هذا الانقسام، فيُظهر نفسه كطرف "شرعي" في مقابل "فوضى المقاومة"، ويمرر سياساته على أساس أن خصمه ليس دولة بل مجموعات "غير منضبطة" يمكن شيطنتها بسهولة أمام العالم.
من منظور استخباراتي واستراتيجي، وجود عدة فصائل مسلحة خارج منظومة الدولة يُمكّن المحتل من تفكيك البنية الاجتماعية والسياسية للمنطقة المعادية له عبر خلق بيئة تشكك في جدوى الجيش والدولة ذاتها. وهذه الحالة تبرر للمحتل الاستمرار في سياساته القمعية تحت شعار "محاربة الإرهاب" أو "الرد على جماعات خارجة عن القانون"، دون أن يتحمل تبعات انتهاك سيادة دولة معترف بها دولياً.
أخطر ما في الفصائلية أنها تنجح في إشغال الشعوب بمعارك جانبية حول الولاء والشرعية، فتُنهك المجتمعات من الداخل، وتصبح فكرة الدولة فكرة مشوهة في أذهان الأجيال الجديدة.
وفي هذه الحالة، يصبح المحتل هو المستفيد الأول من هدم مفهوم الدولة، لأنه كلما ضعفت الدولة، ضعفت قدرتها على المواجهة السياسية والعسكرية، ووجد المحتل نفسه في ساحة مفتوحة يتعامل فيها مع خصوم مشرذمين لا يجمعهم مشروع وطني واضح، بل يخوضون صراعاتهم على الهوية والقيادة والتمثيل.




