في الأول من أيار من كل عام، تحتفل شعوب الأرض بعيد العمال، هذا اليوم الذي خُصِّص لتكريم تلك السواعد التي تشقى وتكدُّ، وتُبذل من أجل أن تستمر الحياة وتزدهر الأوطان. إنه يوم نرفع فيه أسمى آيات التقدير والاحترام إلى كل يدٍ عاملة، صادقة، مخلصة، لم تعرف التواني أو الكلل، بل واصلت الليل بالنهار من أجل لقمة العيش الكريمة، ومن أجل بناء صروح الحضارة الإنسانية.
العمل ليس مجرد وسيلة للبقاء، بل هو شرف وكرامة، وهو الرافعة التي تنهض بها الأمم، وتُبنى بها الأوطان. والعامل، أيًّا كان مجاله، هو المحرك الأساسي لعجلة التنمية. في الزراعة والصناعة، في البناء والخدمات، في المصانع والمتاجر، في الورش والموانئ، في كل زاوية من هذا العالم نجد آثار أيديهم التي لا تتوقف عن العطاء.
لقد خاضت الطبقة العاملة عبر التاريخ نضالات طويلة ومريرة، نضالات لم تكن سهلة، بل رُويت بدماء الشهداء الذين آمنوا بعدالة قضاياهم وشرعية مطالبهم. وكان النقابي الشهيد أوجست سبايز رمزًا لهذا الكفاح حين قال: "سيأتي اليوم الذي يصبح فيه صمتنا في القبور أعلى من أصواتنا." وها هو صوته، بل أصوات جميع العمال، تملأ العالم اليوم بمطالبهم العادلة، وقد حققوا الكثير منها عبر النضال السلمي والإصرار الذي لا يعرف المساومة على الحقوق.
وفي وجه جشع الرأسمالية العالمية التي لطالما نظرت إلى العامل كأداة للربح لا كإنسان ذي كرامة وحقوق، وقفت الطبقة العاملة بشجاعة، ترفع صوتها، وتدافع عن إنسانيتها، فانتزعت المكتسبات النقابية والتأمينات الاجتماعية والصحية، ورسخت حقها في التنظيم، بل وغدت قوة لا يستهان بها في معادلات الاقتصاد والسياسة.
وفي الأردن، نحتفل كل عام بهذا اليوم تقديرًا لعمالنا الذين يملؤون الوطن بحضورهم وجهدهم، فمنهم من يعبد الطرقات، ومنهم من يشيد الجسور والمباني، ومنهم من يزرع الأرض، ومنهم من يدير الماكينات، فجميعهم يشكلون نسيجًا متماسكًا من الإنجاز والعطاء. لقد تحققت للطبقة العاملة الأردنية مكتسبات مهمة من خلال سلسلة من التشريعات القانونية والتأمينات الاجتماعية والصحية، وكلها تصب في صالح الحركة العمالية والنقابية، إيمانًا بدورهم الوطني والنهضوي في بناء الوطن.
في يوم العمال، نوجه تحية إكبار إلى من يُضيئون بأيديهم الشريفة دروب الوطن، ويُشيِّدون مجده، ويمضون في طريق الأمل رغم كل التحديات. تحية لكل من اختار أن يكون جزءًا من ورشة البناء الكبرى لهذا الوطن، ولكل من لم يدّخر جهدًا ليترك بصمة تُحكى عنها الأجيال.
عيد العمال ليس يومًا للراحة فحسب، بل هو تذكير مستمر بأن المجتمعات تُبنى بسواعد أبنائها، وأن الإنسان العامل هو البطل الحقيقي في معركة النماء. فكل عام وعمّالنا بألف خير، وكل عام وهم سند الوطن وعنوان عزّته




