*
الاحد: 21 ديسمبر 2025
  • 28 نيسان 2025
  • 14:34
على سرير النقاهة بعد طوفان التفاهة
الكاتب: زهير الشرمان

على أطراف العشوائية وفي ممرات العقل الجريح تبدأ رحلة منفية نحو شاطئ النجاة.
في عالم تصدعت فيه القيم وذابت الحقائق تحت أمطار الرفاهية الزائفة لم تعد الحروب صاخبة فوق الأسوار، بل صارت خفية تنخر العقول بصمت.

في زمن ترتدي فيه التفاهة أردية المجد وتختزل الأحلام إلى ومضات إلكترونية خاطفة يتعثر العقل بحثا عن ملاذه الأخير، عن سريره الأخير.

لم يأت الانهيار كالعاصفة، بل كنسيم مسموم، لا دموع ولا صرخات، بل كخفوت تدريجي يشبه الذبول البطيء لزهرة في قاع بئر منسي.

صرنا شهودا على جنازة الفكر بلا حداد وعلى تصحر الوعي وسط أسواق تبيع الرأي كما تباع الخضار وترش الكلمات كمبيدات تفتك ببذور الحرية قبل أن تنبت.

اخترعت الحضارة آلة ضخمة ليس لبناء الإنسان، بل لإعادة تدويره إلى شبح استهلاكي من مفكر إلى رقم ومن حلم إلى إعلان.

في حفلة صاخبة يتسابق الملايين على صورة أكثر اصطناعا ونسيانا أكثر سرعة. تتكاثر جحافل الذين يلقبون بالمؤثرين! يبيعون التفاهة في عبوات مذهبة ويصفق لهم العابرون دون أن يدروا أنهم يصفقون لانقراضهم الفكري.

صرنا نخسر معركة الوعي لا بهجوم مباغت، بل بخيانة داخلية حين سلمنا مفاتيح عقولنا مقابل صورة باهتة وإعجاب عابر.

ورغم هذا الليل البهيم تظل هناك معركة لا يجوز أن نخسرها، تلك المعركة التي تبقينا إنسانا مفكرا، لا مجرد مستهلك ساذج.
نريد ان نبحث عن الضوء في نهاية هذا النفق المظلم.
نحرك الأفكار الراكدة، واعلم أن عقلك هو قدس الأقداس فلا تسمح لأي فكر أن يدخله ما لم تطهره بنار الشك والتأمل.

اصبح لزاما مقاومة صناعة التفاهة اليوم فعلا وجوديا لا ترفا ولا رفاهية.

فكر، تأمل، اشكك... اجعل عقلك حصنا لا يخترقه السخف ولا تهدمه العبارات المعلبة.

وكما قال غاندي:
"كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم."
وإذا عجز العالم عن أن يتغير فلا نعجز أن تكون النور الأخير في هذا الظلام الطويل.

مواضيع قد تعجبك