ممرات العبور ليست خطوطًا على الأرض بل تعكس أولوية وأحقية المشاة في العبور، وهي معابر للسلامة لنا ولأطفالنا، وحق قانوني وإنساني لا يحق للسائق تجاوزه.
في قلب العاصمة عمّان، وبين أحيائها النابضة بالحياة مثل اللويبدة، وجبل عمّان، والعبدلي، حيث يتقاطع عبق التاريخ مع صخب الحاضر، يتكرر مشهد مؤلم، ممرات مشاة مرسومة بعناية، ولكنها منتهَكة يوميًا بلا حق. سيارات تعبرها بسرعة، وسائقون لا يلتفتون لمن ينتظر العبور، وكأن هذه الخطوط مجرد ديكور حضري لا يحمل أي قيمة قانونية أو إنسانية.
أسير يوميًا في هذه الشوارع، محاولًا كغيري من المشاة عبور الطريق عبر الممرات المخصصة، فأجدت نفسي أقف طويلاً أمام سيارات لا تكترث لوجودي، تستخدم الضوء الساطع وكأنني سيارة، يجب عليّ الابتعاد عن الطريق لأمنحهم الفرصة للعبور. أرى الخوف في عيون آخرين، وهم يترددون في العبور، ليس لأنهم لا يعرفون قواعد الطريق، بل لأنهم يعرفون أن هذه القواعد لا تُحترم.
ورغم كل الجهود المبذولة لتحسين البنية التحتية وتوسيع ممرات المشاة، إلا أن غياب ثقافة احترام هذا الحق يجعل من السير على الاقدام تجربة غير آمنة، بل وأحيانًا خطيرة. الأمر ليس فقط تجربتي أو انطباعًا شخصيًا، بل حقيقة موثقة. فقد أظهر التقرير الإحصائي السنوي لعام 2022 في المملكة الأردنية الهاشمية أن عدد حوادث الدهس بلغ (3847) حادثًا، أي ما نسبته (2.3%) من مجموع الحوادث الكلية، و(33.4%) من مجموع حوادث الإصابات البشرية، نتج عنها (187) وفاة، ما يعادل (33.2%) من مجموع وفيات حوادث السير في ذلك العام.
أما على مستوى العالم، فتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 50% من وفيات الحوادث المرورية تقع ضمن فئة حوادث الدهس، مشيرة إلى أن المشاة هم الحلقة الأضعف في النظام المروري، لأنهم ببساطة لا يملكون درعًا يحميهم من الصدمة، وانما يتصدون للحوادث بأجسادهم. كل ذلك يعكس واقعًا مريرًا، خطوط المشاة لا تزال بلا قيمة تُذكر في إعتبار ووعي كثير من السائقين، في حين يفترض أن تكون عنوانًا للتحضّر، واحترام الحياة، وكرامة الإنسان.
إن ممرات المشاة ليست خطوطًا بيضاء فحسب، بل حدودًا رمزية بين الفوضى والنظام، بين الاستهتار والتحضّر، تمثل احترام حقوق الغير. أخي السائق/ السائقة، إن احترامك لهذا الخط ليس فقط احترامًا لقانون السير، بل احترام لإنسانيتك، وتقدير لحق الآخر في أن يسير بأمان على أرض وطنه.
إننا بحاجة إلى أكثر من قوانين، نحن بحاجة إلى ضمير حي، وتربية مرورية تبدأ من الأسرة، ولا تكتفي بالالتزام بإشارات المرور. كما أننا بحاجة إلى إعلام يحفّز هذه الثقافة، وجهات تنفيذ صارمة تتابع وتراقب وتطبّق، دون تهاون. لأن الشوارع ليست ملكًا للسيارات فقط، والمشي ليس رفاهية، بل حق أساسي... وخط المشاة هو الحد الأدنى لهذا الحق.




