عبر القرون كانت الليالي رحما للتغيرات الكبرى تخرج من اعماقها مفاجآت لم تخطر على بال اكثر المتفائلين جرأة ولم تزر كوابيس اكثر المتشائمين ظلمة ومنذ ان نطق الشاعر العربي بيته الخالد،
"والليالي من الزمان حبالى
مثقلات يلدن كل عجيب"
تأكد ان الزمان ليس مياها راكدة بل نهرا غامضا يجرف الطمانينة حينا ويمنحها حينا اخر.
نحن نعيش زمنا خصبا بالعجائب وكأن رحم الايام فيه لا يعرف العقم، بل يزداد ولادة كلما اعتقدنا اننا بلغنا اقصى حدود الدهشة من انفجارات الاوبئة الى الحروب الخاطفة، من الانقلابات على المبادئ الى صفقات القرن ومسرحيات العدالة، من انهيارات الاسواق الى ازدهار الاكاذيب، كل حدث يولد من رحم المفاجأة وكأن التاريخ قرر ان يكتب فصوله في الهواء الطلق لا في بطون الكتب.
غير ان الخطر لا يكمن في غرابة ما تلد الليالي بل في اعتياد الناس عليه حين تصبح الفجيعة جزءا من الروتين وتتحول الصدمة الى بند في النشرة الاخبارية ندرك اننا لم نعد نتفاجأ، بل بدأنا نتكيف وهذا في ذاته اعجب من كل عجيب.
في زمن العولمة والانفتاح غير المضبوط ولدت ليال بلا ملامح سقطت الحدود بين الحقيقة والزيف وتآكلت الفواصل بين المبادئ والمصالح، اصبح العالم يتزين بالديمقراطية الورقية ببرلمانات تدار كمسرحيات وسلام يفرض بلا عدالة وحرية مرهونة بشروط الاقوياء.
اما العدالة فقد ارتدت عصابتها لكنها لم تعد عمياء بل منتقاة الرؤية تحاكم بناء على مزاج السياسة لا نصوص القانون، امم علقت آمالها بين الحلم والخذلان فباتت قراراتها رهينة العجز او رهينة الصمت.
حتى اللغة لم تنج من التزييف اذ اصبح المحتل صاحب حق والمقاوم ارهابيا والنازح تهديدا ديموغرافيا والفقير عبئا اقتصاديا.
في هذا العالم المنقلب على موازينه لم يعد كافيا ان تكون على حق بل لا بد ان تكون قويا بما يكفي ليعترف لك بهذا الحق.
ومع ذلك تبقى الحقيقة راسخة إن رحم الزمان لا يزال نابضا فان لم نشهر الوعي سيفا سنولد من هذا الزمن لا كصناع له بل كنتاج عجيب لليأس.
الليالي ما زالت حبالى وقد تحمل الدهشة القادمة شيئا اجمل...او اسواء ، لكن الفارق الحقيقي يصنعه ضمير الانسان وجرأة صوته واستعداده لان لا يكون مجرد رقم في سجل العجب.




