على الرغم من الدور المحوري الذي يلعبه التقييم العقاري في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وجذب الاستثمارات، إلا أن هذا القطاع في الأردن يواجه عدة تحديات جوهرية قد تؤثر على دقة التقديرات العقارية، وتحدّ من كفاءة السوق العقاري. وفيما يلي أبرز هذه التحديات والمخاطر المترتبة عليها:
1- غياب قاعدة بيانات مركزية موحدة
تعاني منظومة التقييم العقاري في الأردن من عدم توفر قاعدة بيانات وطنية موحدة تشمل جميع المعلومات العقارية المحدثة، مثل أسعار البيع الفعلية، التقييمات السابقة، والخصائص التفصيلية لكل عقار. ونتيجة لذلك:تعتمد عمليات التقييم على اجتهادات فردية، ما قد يؤدي إلى اختلافات كبيرة في تقديرات القيمة بين الخبراء.ضعف الشفافية في تحديد القيم السوقية، مما يتيح المجال للتلاعب والمضاربة في الأسعار.عدم القدرة على تتبع اتجاهات السوق بدقة، مما يجعل المستثمرين غير قادرين على اتخاذ قرارات مبنية على بيانات دقيقة.
2- غياب معايير موحدة للتقييم العقاري
لا يزال قطاع التقييم العقاري في الأردن يعاني من عدم وجود معايير موحدة ومعتمدة على المستوى الوطني تتماشى مع المعايير الدولية مثل معايير التقييم الدولية (IVS). وكنتيجة لذلك قد تختلف أساليب التقييم بين الجهات المختلفة، مما يؤدي إلى فروقات جوهرية في تحديد القيمة الحقيقية للعقارات.انعدام العدالة الضريبية، حيث قد يتم فرض ضرائب عقارية على قيم غير دقيقة.غياب الثقة لدى المستثمرين والممولين العقاريين، مما يعيق نمو القطاع العقاري ويحدّ من تدفقات رؤوس الأموال.
3- تأثير المضاربات العقارية غير المنظمة
تعاني السوق العقارية الأردنية من ممارسات المضاربة غير المنظمة، حيث يقوم بعض المستثمرين أو المضاربين برفع الأسعار بشكل مصطنع لتحقيق أرباح سريعة، مما يؤدي إلى ارتفاع غير مبرر في أسعار العقارات،ممايجعل السكن والاستثمار العقاري أقل جاذبية لشرائح واسعة من المواطنين والمستثمرين.تشوهات في السوق العقاري، حيث تتضخم الأسعار في بعض المناطق بينما تبقى مناطق أخرى غير مستغلة رغم إمكانياتها الاستثمارية.زيادة مخاطر الفقاعات العقارية، والتي قد تؤدي إلى انهيارات مفاجئة في الأسعار، مما يضر بالاقتصاد الوطني.
4- ضعف الرقابة على مهنة التقييم العقاري
لا تزال مهنة التقييم العقاري بحاجة إلى إطار تنظيمي أقوى لضمان كفاءة العاملين فيها، ومن أبرز المشكلات التي تواجهها المهنةعدم وجود آلية واضحة لاعتماد المقيمين العقاريين وتأهيلهم وفق المعايير الدولية.عدم وجود جهة رقابية متخصصة تشرف على المهنة بشكل مستقل عن الجهات الحكومية الأخرى.التفاوت في الخبرات بين المقيمين، مما ينعكس على جودة التقييمات ويؤثر على قرارات التمويل والاستثمار.
5- تأثيرات مباشرة على الاقتصاد والنمو والاستدامة
إن الاختلالات في قطاع التقييم العقاري لا تؤثر فقط على السوق العقاري، بل تمتد تأثيراتها إلى الاقتصاد الوطني بشكل عام، إذ تؤدي إلى عدم استقرار السوق العقاري، مما يضعف قدرة المستثمرين على التخطيط طويل الأمد.صعوبة الحصول على التمويل العقاري، حيث تتردد البنوك في منح القروض عندما تكون التقييمات غير دقيقة أو غير موثوقة.ضعف التخطيط العمراني، إذ تعتمد الخطط الحكومية على تقييمات غير دقيقة، مما يؤدي إلى سوء توزيع الاستثمارات في البنية التحتية.
6- التداخل التشريعي وغياب التنظيم الموحد
وجود قوانين متداخلة وعدم وجود جهة تنظيمية مركزية تحدد آليات التقييم بدقة قد يؤثر على اتساق العملية التقييمية. تأثير العوامل الخارجية والاقتصادية: التضخم، وأسعار الفائدة، والتغيرات في التشريعات الضريبية تؤثر بشكل كبير على السوق العقاري وبالتالي على دقة التقييم.عدم إدراج التقييم العقاري في الموازنات العامةعلى الرغم من تأثيره المباشر على الاقتصاد، إلا أن قطاع التقييم العقاري لا يُدرج ضمن الحسابات الاقتصادية الرسمية، مما يحدّ من القدرة على استشراف تأثيره الحقيقي على النمو.انخفاض كفاءة سوق العقارات يضعف جذب الاستثمارات الأجنبية بسبب غياب الثقة في تقديرات الأسعار.
الحلول والتوجهات المستقبلية
لمواجهة هذه التحديات، ينبغي التركيز على مجموعة من الحلول والتوجهات الاستراتيجية، أبرزها:
- إنشاء قاعدة بيانات وطنية موحدة للعقارات والتقييمات العقارية، وربطها إلكترونيًا بجميع الجهات المعنية، مثل دائرة الأراضي والمحاكم والبنوك والمستثمرين العقاريين. وتطوير قاعدة البيانات لزيادة دقة التقديرات والشفافية.
- توحيد معايير التقييم العقاري وفق أحدث الممارسات الدولية، وضمان تطبيقها بشكل إلزامي من جميع المقيمين العقاريين.
- فرض رقابة تنظيمية أكثر صرامة على عمليات التقييم، من خلال هيئة مستقلة تشرف على المهنة وتعتمد المقيمين المحترفين.
- الحد من المضاربات العقارية غير المنظمة عبر وضع تشريعات تمنع التلاعب بالأسعار، وتشجع الاستثمار طويل الأمد في السوق العقاري.
- إنشاء هيئة تنظيمية موحدة للتقييم العقاري لتقليل التداخل التشريعي وتعزيز المعايير الدولية.
- دمج التقييم العقاري في الموازنات العامة لتحسين استشراف تأثيره الاقتصادي، ومواكبة التغيرات الاقتصادية والتشريعية لضمان مرونة السوق.
- استخدام تطبيقات التكنولوجيا الحديثة "Property Technology"، في قطاع العقارات لتحسين وابتكار عمليات البيع، الشراء، التأجير، الإدارة، والتقييم العقاري. لجذب الاستثمارات الأجنبية وتحسين كفاءة السوق العقاري
وأهم تطبيقات PropTech في القطاع العقاري:
- المنصات الرقمية العقارية مثل المواقع والتطبيقات التي تربط البائعين بالمشترين والمستأجرين، مثل Zillow وRealtor. . توفر معلومات محدثة عن السوق العقاري، مما يسهل البحث واتخاذ القرار.
- تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي تساعد تقنيات Big Data والذكاء الاصطناعي في تحليل اتجاهات السوق العقاري والتنبؤ بالأسعار المستقبلية. تستخدم لتقديم توصيات ذكية للمستثمرين والمشترين بناءً على معايير محددة.
- العقود الذكية وتقنية البلوكشين . استخدام Blockchain لتسجيل المعاملات العقارية بأمان وشفافية. تسهيل العقود الذكية، مما يقلل الحاجة للوسطاء ويمنع التلاعب.
- الواقع الافتراضي والواقع المعزز . تتيح تقنيات مثل VR وAR للعملاء استكشاف العقارات عن بُعد بجولة افتراضية ثلاثية الأبعاد. توفر تجربة واقعية دون الحاجة إلى زيارة الموقع فعليًا.
- إدارة العقارات الذكية .استخدام إنترنت الأشياء (IoT) للتحكم في أنظمة الإضاءة، التدفئة، والأمان في العقارات الذكية.. تحسين كفاءة إدارة المباني من خلال أنظمة متصلة بالذكاء الاصطناعي.
لماذا PropTech مهم؟
يزيد من شفافية المعاملات العقارية ويحد من الاحتيال. يوفر بيانات دقيقة لاتخاذ قرارات استثمارية أفضل. يقلل التكاليف التشغيلية في إدارة العقارات.يسهل عمليات البيع والشراء ويجعلها أسرع وأكثر كفاءة.ببساطة، PropTech هو مستقبل العقارات، حيث يجعل القطاع أكثر ذكاءً، كفاءةً، وابتكارًا
والسؤال المطروح هل هذا يقع ضمن مؤشر تطور الحكومة الالكترونية لكي نلحق بالركب عالميا . متى ؟
وأخيرا يُعد التقييم العقاري من أهم الأدوات الاقتصادية التي تؤثر بشكل مباشر على السوق العقاري والاستثمار والتمويل والتنمية العمرانية. ولذلك، فإن تعزيز الشفافية، توحيد المعايير، والرقابة الفعالة يُعد أمرًا جوهريًا لضمان تحقيق نمو اقتصادي مستدام واستقرار في السوق العقاري الأردني.
الباحث في الشأن العقاري : المستشار والمحكم العقاري الدولي : د. غسان عذاربه .