*
الخميس: 25 ديسمبر 2025
  • 26 أكتوبر 2011
  • 09:23
عن  أنيس منصور
الكاتب: رنا شاور
عن أنيس منصور
لم يكن قارئ أنيس منصور يتوقع ماالذي سيكتبه صباح الغد؟. كان أكثر مايميز فيلسوف الصحافة أنه يستطيع الكتابة في أي شيء، وعن أي شيء، أضف إلى ذلك أسلوبه الساخر المتبسّط المطعم بالفلسفة الرشيقة. رحل أنيس منصور في اليوم الذي نشرت له مقالة في جريدة الشرق الأوسط بعنوان (لا أحب أن أنشغل عن الكتابة).. وختم مقالته الأخيرة بالقول أن الكتابة لديه لها طقوسها واحترامها وجديتها فلا شيء يجب أن يشغله عنها، وربما كان يعني أن الموت هو الشيء الوحيد الذي سيتوقف عنده. يروي مدير مكتبه أنه قبل وفاة أنيس منصور بيوم جاء إليه وهو على فراش المرض يبلغه أن: «الأهرام» يا أستاذي تطلب مقالات الأسبوع»، وبرغم وهنه ومرضه فقد كان قيد الإنجاز وسلّم المؤسسة الصحفية مقالات أسبوع كامل كان قد أعدها قبل ذهابه إلى المستشفى، ووضعها في مكان ما في المكتب. ولهذا قررت جريدة الأهرام أن تنشر هذه المقالات إلى حين انتهائها مع نهاية هذا الأسبوع، ما يذكر بقول الشاعر: الخط يبقى زمناً بعد كاتبه وكاتب الخط تحت الأرض مدفون. تابعت أنيس منصورمنذ عرفت الكتاب، وككثيرين أحبوه وبهروا في قيمته الأدبية فقد حزنت على فراقه، لقد كانت مقالته في الشرق الأوسط هي بداية يومي ثم مقالته في الأهرام، كان واسع الفكر واثقا معطاءً مثقفاً بسيطا وأنيقا في مقالاته وكتبه وحتى في مقابلاته التلفزيونية.. مدرسة قائمة بذاتها وغزارة ثقافية غريبة إذ يخيل إلى من تابع هذا الانتاج المعرفي أن أنيس منصور عاش أكثر من مائتي عام ليكون كثيراً بهذا الكمّ والنوع. كتب وحكى أنيس منصور عن عمالقة الأدب والفكر والفن الذين عاصرهم، كالعقاد وطه حسين واحسان عبد القدوس وتوفيق الحكيم وعاداتهم وغرائبهم في الكتابة والتأليف والإبداع.. لكنه تجاوز أسئلة كثيرة وجهت له حول عاداته هو وطقوسه الخاصة في الكتابة وكتب مرة :» بسبب آلام في الظهر لم أعرف كيف أختار الوضع المناسب للقراءة أو الكتابة. فلا استطيع جالسا ولا نائما ولا واقفا ولا على جانب أيمن أو أيسر.. وإنما أحاول أن أتلوى لكي اختار الوضع المناسب. ولا يوجد وضع مناسب. وليس هذا من شأن القارئ. فالقارئ يريد أن يجد ما يقرؤه. أما كيف كتب المؤلف فهذه مسألة لا تهمه كثيرا»، لكنه أقرّ مؤخراً في مقابلة نادرة أنه لم يكن يكتب ويقرأ إلا في الفترة ما بين الرابعة إلى العاشرة صباحا ولم ير طلوع الشمس أبداً منذ بدء حياته العملية، ويروي عن نفسه أنه الشخص الذي اكتشف بعد أربعين عاماً أنه يسكن في شقة تطل على النيل، وتردد عنه أنه لا يعرف كيف يكتب سوى وهو حافي القدمين وبيجامته، وكان لاينام إلا نادراً جداً ويشكو ذلك في مقالاته وكان مصاباً بفوبيا البرد والخوف من الانفلونزا والزكام إلى أن توفاه الله بالتهاب رئوي!. رحيل أنيس منصور ليس أمراً سهلاً.. إنها خسارة كبيرة ..فهذا يعني اسدال الستارة على مرحلة ثرية من الأدب والفكر والعبقرية..   الرأي

مواضيع قد تعجبك