عبر سنوات الحرب والأزمة التي عاشتها سوريا كانت هنالك مراحل عاشت فيها الدولة السورية هزات قوية لكنها استطاعت في كل مرحلة بدعم حلفائها الإيرانيين والروس ان تنجو من السقوط أو التقسيم ،إلى أن عادت الدولة السورية تحقق انتصارات عسكرية استعادت معها اكثر من ثلثي الجغرافيا السورية ،وأصبح سقوط النظام هناك عسكريا أمرا خارج إطار التحليلات والتوقعات .
لكن النظام السوري يعيش اليوم أزمة من نوع اخر ليس فيه ميليشيات متطرفة أو معتدلة ،ولا دور مباشر فيه لأي من الدول التي كانت تعمل على تغيير النظام ،أزمة بسلاح ناعم لكنه قوي ومتعب،ولا تنفع معه ميليشيات ولا قوات الحلفاء من إيران وروسيا ،أزمة عنوانها السياسي قانون قيصر الأمريكي الذي أقره الكونغرس الأمريكي قبل شهور وبدأ تنفيذه اول حزيران الحالي ،عنوانه حقوق الإنسان وعقوبات اقتصادية لكن جوهره سياسي ،حيث يتحدث عن شكل النظام السياسي السوري القادم ،وهو يرفع شعارات فرض عقوبات على كل من يقدم دعما اقتصاديا أو غير اقتصادي للنظام السوري ويذكرنا بقصة العراق في التسعينات .
لكن قبل أن ينفذ قانون قيصر بحق سوريا كانت روح هذا القانون تفرض نفسها من خلال هزة اقتصادية كبرى تعيشها سوريا عنوانها سعر صرف الدولار الذي بلغ مؤخرا أرقاما غير مسبوقة وصلت أحيانا إلى أربعة آلاف ليرة سورية مقابل كل دولار ،وهذا رفع أسعار كل شيء بصورة جنونية ،وأغلق مصانع وضرب التجارة ،فكل شيء يتم استيراده من الخارج تضاعف سعره عشرات المرات بالليرة السورية ،ونتذكر هنا ان سعر صرف الدولار كان قبيل الحرب أقل من خمسين ليرة الدولار ،أي أن سعره اليوم ثمانين ضعف ما كان عليه ،وأهل المال والاقتصاد يدركون معنى هذا ، وكان هذا وراء إصدار الرئيس السوري مرسوما بتغيير رئيس الوزراء والدستور السوري يعطي للرئيس حق تغيير رئيس الوزراء وبقاء الحكومة
وإلى جانب سوريا هنالك الجارة لبنان التي تتشابك في اقتصادها مع سوريا عبر التجارة او بشكل أكبر عبر التهريب وتحديدا الدولار أو المشتقات النفطية والدواء...،وفي لبنان حراك شعبي قوي ،تتخلله رياح الطائفية ولا يخلو من قضايا سياسية منها سلاح حزب الله أو الدعوة لإسقاط الحكومة هناك وهي التي تحظى بدعم حزب الله وحلفائه في لبنان وخارجها .
واذا خرجنا من التفاصيل الى العنوان الأكبر وهو تراجع مكانة النظام السوري لدى بعض حلفاءه ،والحديث مرة أخرى عن تغيير حقيقي في بنية النظام ،وحتى إيران فإنها تتجه إلى مزيد من الأزمات تجعلها تفكر في مقايضة وجودها في سوريا بمصالح أخرى وهي التي تمارس الصمت تجاه الضربات الجوية الإسرائيلية بحق قواعدها في سوريا منذ سنوات ،كما مارسته تجاه اغتيال قاسم سليماني والتغيير المهم في مسارات الحكومة العراقية الجديدة .
في ثنايا قانون قيصر مخرج تضعه امريكا للنظام السوري وهو فتح أبواب العلاقات العلنية مع إسرائيل، وهو مخرج ان مارسه النظام أسقط عن نفسه ثوب المقاومة والممانعة وخسر أهم حلفائه.
بغض النظر عن التأييد أو المعارضة للنظام السوري إلا ان ما يجري من هزة اقتصادية كبرى أمر سيجعل من سعر الدولار عدوا يهدد النظام وجوديا ،لأن كل سوري داخل مناطق سيطرة الدولة السورية سيكون تحت قصف سعر الدولار كل ساعة ،وكل الاقتصاد السوري دخل في أزمة لها شكل سياسي قادر على تغيير الواقع .
قد تكون مرحلة من مراحل الأزمة السورية وليست بوابة للتغيير ،لكنها مرحلة ليست سهلة وأكثر صعوبة من مراحل التنظيمات المسلحه .




