بهدوء بدأ الميكانيكي يستفسر مني عن الخلل الذي أصاب سيّارتي التي
توقّفت عن العمل فجأة , وبدون سابق انذار , ثمّ بحركة تشبه حركة البندول ,
لوّح بمفتاح شق عشرة كان بيده , وطلب فتح غطاء المحرّك وتجربة تشغيله ,
فلم يستجب المحرّك لمحاولتي , وبعين الخبير أخذ يتفحّص الاسلاك الموصلة
الى البطارية ثم بدا بفك البراغي التي تعلو غطاء رأس المحرّك , توّقف ,
ورشف من كأس الشاي قليلا , ثمّ نظر اليّ وكأنّه يريد أن يبدأ حديثا وقال ,
أن حال الفنيين أمثاله في هذا البلد سيّء ولم يعد يسر احد , كثير من الذين
وفدوا الينا نتيجة للظروف في بلدانهم فنيين ماهرين , وقد اخذوا!
ينافسون أهل البلد ويأخذون منهم نصيبهم من العمل في السوق , نحن نرحب
بالجميع ولكن لنا الحق في العيش الكريم أيضا ,. الآن إذا أردت إن تصلح
سيارة فيها عطل , تجد كثير من المشاغل التي تقبل اصلاحها بأجر زهيد , وهم
يفعلون ذلك لكسب السوق , ثم يرفعون الأسعار بالقدر الذي يريدون , وبعد أن
يفقد أهل البلد القدرة على المقاومة , يصبح السوق ملكا لهم .
تدّخلت وأنا أرجو الله أن لا يطغى الحديث على العمل , وقلت له إنّ
الرزق على الله وهم أيضا يعانون , ولولا الأوضاع السيئة في بلدهم ما
هاجروا منها , أعانهم الله على مصائبهم . رد علي وقال وهل تعتقد يا أستاذ
أن الحرب هناك لن تطول , إنها ستستمر سنين طوال , حتى لو تدخلت كل الدول
لوقفها , أو فرض هدنة بين القوى المتقاتلة فيها , لأنّ من مصلحة بعضها أن
تطول , مثل مصلحة صاحب محطّة البنزين التي تبيع الوقود للسيّارات , وبدون
الوقود لن يدور المحرك , ولن يحدث الاحتراق ولا أن تتحرك الاسطوانات للأعلى
والأسفل , أتدري , ان تناحرت الاسطوانات فيما بينها على من التي ستر!
تفع اولا , فسيتوقف عمل المحرك , لأنها تتحرك بالترتيب الذي وضعه الصانع
لها , ولا يمكن لها ان تخالفه , وكيف لها أن تدفع الاذرع التي تربطها بعمود
المرفق ان اختلّ عملها , وأخذت كلّ واحدة من الاسطوانات ترتفع على هواها ,
كذلك هي الفرق الكثيرة في سوريا , تتناحر فيما بينها على من ستكون له
قيادة شعب لا يريد أن تكون قائدة له , لأنّ الشعب يعرف أنّها لن تقوده
الاّ الى الهلاك .
اخذ يتفّحص شعلات الاحتراق واحدة بعد الأخرى , وتأكّد من أن الوقود
لا يصل الى غرفة الاحتراق , التي شبهها بالمكان الذّي يصل اليه المقاتلين
في الفصائل المسلّحة ليموتوا , لأنّ من يدفعهم الى الاقتتال فيما بينهم ,
قوى كبيرة وأقوى من قياداتهم , وكأنّها المضخّة التي تضخّ الوقود الى
الأسطوانة لتحترق . وبعد أن أكتشف ان الخلل في مضخة الوقود , تبسّم وقال
ليت من يدفع الناس للموت في العالم , أن يأخذ استراحة ويتوّقف عن العمل ,
كي يستريح الناس من أصوات المدافع والقنابل , مثلما يستريح المسافر من صوت
محرّك الحافلة ان توّقفت عن العمل بعد سفر طويل .
كان الميكانيكي يحلّل كما يشاء بالأوضاع في الدول المحيطة والبعيدة
عنّا وكنت أنا أرجوه أن يكمل اصلاح العطل الذي منعني من اكمال سفري , لكنّه
بدأ يعدّد لي ما تحتاجه سيّارتي من اصلاح وخصوصا في مجموعة القيادة
والتوجيه , لأنّها لن تستمر طويلا في المسير حتّى تتوقّف من جديد




