*
الاحد: 21 ديسمبر 2025
  • 25 نيسان 2020
  • 04:01
الخيّر بقول وبغيّر
الكاتب: علي الدباس
الخيّر بقول وبغيّر

لا جدال ان ما قامت به الحكومة في الجانب الصحي بما يتعلق باحتواء عدد الاصابات هو جهد مقدر وكبير وتشكر عليه ويتجاوز كثيرا التوقعات التي بنيناها من احباطاتنا الحكومية السابقة. ولا جدال ان المعالجات الاقتصادية لأزمة كورونا هي معالجات لن تصل الى مرحلة ارضاء الجميع مهما كانت مثالية، ولا شك انها تقبل الصواب والخطأ بحسب زاوية التقييم للقرارات وحجم اطلاع كل منا!

إلا ان ما يهمنا في كل هذه المعالجات هو ان تستقيم مع التعامل مع الازمة كفرصة للبناء عليها بعد ان نجحت الحكومة باستعادة ثقة الناس، ولا نريد لهذه المعالجات الاقتصادية ان تحول الحكومة الى معطل لمصالح الناس ونفقد هذا الرصيد الكبير من الثقة التي كانت الدولة بحاجتها  بعد سنوات كثيرة تعرضنا خلالها الى سلسلة من الاحباطات الشعبية تجاه سياسات الحكومات!

وحتى نحقق هذا الشيئ علينا ان نقولب اي قرارات او سياسات حكومية جديدة داخل قوالب الثقة وحدودها ، لا ان نستغل هذه الثقة لتمرير سياسات بعيدة الاهداف، بمعنى لآخر يجب ان تنطلق هذه المعالجات بإطار أخلاقي يحترم الثقة الشعبية ويبني عليها،،، كل هذه الافكار راودتني وأنا أقرأ كتاب معالي وزير التعليم العالي الى الجامعة الاردنية الذي طلب فيه أن يتم نشر قوائم أساتذة الجامعة الذين يرفضون استقطاع جزء من راتبهم تبلغ نسبته % لصالح صندوق همة وطن!

هذا الطلب غريب جدا، ولا ينسجم مع أهمية المحافظة على الثقة بين الحكومة والناس، وحتى لا ينسجم مع توجيهات جلالة الملك عند تفعيل قانون الدفاع بضرورة الحفاظ على الملكيات الفردية والحريات العامة ، والأهم من كل ذلك أنه لا ينسجم أبدا مع تبوء معالي الوزير لسنوات طويلة منصب المفوض العام لحقوق الانسان في المملكة، فمن كان أمينا على حقوق المواطن الدستورية ، من باب أولى ان يحافظ على حق المواطن في التبرع للجهة التي يشاؤها دون تشهير او تكليف! ولهذا نذكر معاليه اليوم بالمثل الشعبي ((الخيّر بقول وبغيّر )) وذلك لاحترامنا لمسيرته الطويلة وظنا به بالخير انه سيتراجع عن كتابه هذا!

بنفس الوقت على الحكومة ايضا أن تقول وتغير ّ فمراجعة بعض القرارات الارتجالية يجب ان تكون سريعة، فمثلا بدلا من اجبار الشركات الفردية واصحاب المهن الحرة بالتسجيل في الضمان الاجتماعي لاعطائهم التصاريح ، كان من الأفضل البنناء على الثقة الشعبية التي حصلت عليها الحكومة واطلاق برامج تشجيعية وحزم محفزة لأصحاب المهن الحرة للتسجيل في الضمان الاجتماعي، خاصة ان اجراءات الحكومة تجاه منتسبي الضمان وصرف $ من رواتبهم من الصناديق الادخارية للضمان تعطي هذه الحملة مصداقية وتشجع على التسجيل للضمان، لكن تفعيل نظام "الخاوة" تحت وطأة الحاجة هو آخر ما تحتاجه الحكومة اليوم لتبدأ بالسحب من رصيد ثقة الناس ، فثقة الناس بها تعني التفافهم معها في الحرب على كورونا وتداعياته الأصعب!

حتى في وقف الايجاز اليومي ، وطلة الوزيرين القريبين على القلب اليومية، فإن على الحكومة ان تكون خيرة وتقول وتغير، لأن هذا الايجاز اليومي يجلعنا متأهبين، منتظرين البشارة بالاطمئنان ، وايقافه يعطي صورة بأن المجال مفتوح للناس أيضا للتراخي، وإذ نقدر تعب أصحاب المعالي من هذه المهمة اليومية، لكنها مهمة ضرورية لضمان الجدية الشعبية في هذه الاجراءات وقد كفل لنا الايجاز اليومي قدرا كبيرا من الشفافية وطريقية يومية لحسم الاشاعات الشعبية الافتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي!

المعالجات الاقتصادية لتداعيات الفيروس عليها ان تتسم بنفس الجدية في التعامل الصحي معها، وكل قطاع ادرى بظروفه بما يلبي احتياجاته الحقيقية للتشغيل ، فلا يمكن ان تطل علينا الحكومة مثلا بضرورة تسجيل العاملين بقطاع الانشاءات بالضمان الاجتماعي لاعادة فتح القطاع ، فالبليط والقصير والطوبرجي وغيرهم لا يقبلون العمل لدى اي من الشركات لأنهم صنايعية يأكلون من نتاج أيديهم حالهم حال المزارغ ، ولهذا علينا فعلا مراعاة خصوصية القطاعات عند أخذ القرار ، وان أخذناه فلا بأس من تغييره اذا اتضح خطؤه وتحسن الحكومة فعلا ان أجرت مراجعة سريعة للاجرءات الاقتصادية المتخذة فتبقي منها ما هو صالح وتحسن ما فشل بالتجربة العملية! 

مواضيع قد تعجبك