خبرني - استكمالا لنشر بقية حلقات كتاب تاريخ الاردن وعشائره لـمؤلفه د . احمد عويدي العبادي تنشر " خبرني" الحلقة الثامنة التي تتناول تعامل المماليك مع الاردن والاردنيين , وتاليا نص الحلقة : -
المماليك: وهم أكثر الحكام العرب والمسلمين , بعد زوال الحكم العباسي أي على مدى خمسة قرون , الذين أنصفوا الأردن وانصفوا الاردنيين وأبرزوا أهمية الاردن واهله ، ووضعونا على الخارطة السياسية والعسكرية والجغرافية والاقتصادية، بحيث كانوا يعطونه الأولوية على مصر والشام لأنه موئلهم للراحة، وملاذهم عند الشدائد. وسوف ترى أن المماليك هم أكثر الحكام العرب الذين بنوا وعمّروا بالأردن بعد الأمويين والرومان، وقد بادلهم الأردنيون الحبّ، ودافعوا عنهم، واحتضنوهم ودعموا ثوراتهم ضد الآخرين، وقدم الأردنيون التضحيات من أجل المماليك حباً لهم وتقديراً لقوميتهم ووطنيتهم.
وإذا كان الأمويون قد أعطوا أهمية للأردن والاردنيين فاستقرت زمنهم وازدهرت، ثم جاء العباسيون فغيَّبوها عن مسرح الأحداث وشردوا الاردنيين وقتلوهم وسخطوا عليهم ، فإن الأيوبيين قد أعادوا الاردن رويداً رويداً إلى مسرح الأحداث حسبما اقتضت مصالحهم من جهة، وحسب اكتشافهم البطيء لأهميتها وأهمية عشائرها من جهة اخرى ، ثم الاعتماد على دورها وأهلها في تحقيق اهدافهم للمحافظة على عروشهم , والأهداف العامة في تحرير فلسطين والقدس الشريف من الصليبيين، ونقطة توازن بين مصر والشام.
أما المماليك فقد استفادوا واعتبروا من جميع الأمم السابقة في التعامل مع الأردن والاردنيين .
1. استفادوا من اليونان الذين أنشأوا المدن العشرة، وبدلاً من ذلك، وحيث أن عصرهم كان عصر حروب وصراعات داخلية وخارجية، فقد بنوا القلاع لتكون مراكز للحاميات العسكرية العربية الإسلامية، ومنطلقاً للهجوم على الشام أو مصر إن تمرّدت أي منهما، وضد الصليبيين إذا حاولوا التوسع من الساحل الفلسطيني نحو القدس أو نحو شرق الأردن.
2. استفادوا من الرومان فأقاموا المدن وشجعوا الثقافة والعلوم وطلبوا من بقية العشائر الاردنية النازحة الى الخارج ان تعود وتعمر الاردن وتحافظ عليه وتدافع عنه امام اية هجمات جديدة , لانهم الجبهة الاهم والاصدق
3. استفادوا من سياسة الخلفاء الراشدين أن الأردن كانت معبراً وتجمعاً للجيوش الإسلامية في طريقها إلى فتح الشام وفلسطين ومصر وشمال افريقيا ، وكذلك فعل المماليك إذ أن الجيش الأردني استعاد عرش السلاطين المطرودين من مصر عدة مرات، وقام بتأديب التمرد الشامي، وتحرير الساحل الفلسطيني من الصليبيين تحريرا نهائيا , وبذلك يكون تحرير القدس وفلسطين قد تم على ايدي الاردنيين من عشائر اردنية وجيش اردني , اكثر من مرة بل مرات ومرات عبر التاريخ في العصور القديمة وزمن الايوبيين ( حطين ) والملك الناصر داود ( تحرير القدس ثانية , والمماليك ( عين جالوت ) وسائر اراضي فلسطين زمن المماليك . .
4. استفادوا من الأمويين وسياستهم التي كانت قائمة على استرضاء العشائر الاردنية، وأنها كانت ملاذاً آمناً ومكاناً للراحة والاستجمام للأمراء , حيث كان الامويون اقاموا الحائر الذي كان أيضاً مركزاً لاستقبال العشائر والتواصل معهم، وأحسنوا لهذه العشائر بالهبات والأعطيات، وتنفيذ الطلبات. وقد سلك المماليك هذه السياسة، فصارت القلاع، فضلاً عن كونها معاقل عسكرية ومراكز للحاميات، فإنها كانت مراكز لاستقبال العشائر والإحسان إليهم، ومراكز لتخزين الحبوب والميرة والأموال والسلاح , وبالتالي كان أمراء المماليك يقضون إجازاتهم وأوقات فراغهم وصيدهم بين ظهراني الأردنيين وذلك لما كان بين الطرفين من مودة صادقة وإخلاص، بل إن غالبية الأمراء والسلاطين المماليك كانوا يعتزون بأردنيتهم رغم جلوسهم على عرش مصر والشام , ويتحدثون اللهجة الاردنية البدوية ويرتدون اللباس الاردني بكل اعتزاز ويتستطيبون التخييم وسط مضارب العشائر الاردنية .
5. أخذوا درساً من الإهمال العباسي للأردن، حيث وجدوا أن هذه سياسة عقيمة، وأن مركز الخلافة في بغداد عندما اهمل الاردن صار بدون عمق ولا ظهير، وان كان يعتبر مصر ظهيراً له، لانه لا وصول إلى مصر إلا من خلال الأردن، وكان الخليفة يعتبر نفسه خادم الحرمين الشريفين، وبالتالي حامي حمى الأقصى، ولا وصول للأقصى إلا من خلال الأردن، وكان درب الحجاج يسير طريقاً صحراوياً صعباً من الفرات إلى مكة وعرفات، وكان طريق الأردن أكثر أماناً واختصاراً، وكان أهل مصر والشام أهل حضر، وبالتالي تتعذر حركتهم ودعمهم للخليفة ببغداد، بينما أهل الأردن أهل بادية يتحركون بسرعة، ويلبون النداء ويرحلون، وذلك ما يستحيل على صاحب بيت الحجر المستقر أن يفعله. الا ان السياسة العباسية العاقة والعقيمة حرمتهم من ميزات الاردن وحرمت الاردن من خيرات الدولة العباسية .
6. ومع هذا كان العباسيون يعتبرون الاردن والاردنيين عدوهم الاول بعد الامويين الذين ابيدوا تماما والى الابد , ورغم تعاقب القرون فان قلوب بني العباس بقيت حاقدة علينا ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم , وقد خسرنا الكثير من جراء ذلك , ومن جملة الخسارة ان النكرات والقطعان الضالة المصابة بطاعون الحقد والجدري ممن يدعون الفهم في العصر الحديث يتهموننا اننا شعب غير موجود في التاريخ وانه لاهوية ولا تاريخ لنا , وهذا سببه الاول هم العباسيون لما فعلوه بنا وما تجنوه علينا واهملوا بلادنا وشتتوا شعبنا وصار من يصرح باردنيته انذاك لايجد الا السيف العباسي يجز عنقه , ولكن الحق علينا اننا استضفناهم في الحميمة واذا بنا نضع افعى سامة في حجرنا . وعلى كل حال رحمهم الله جميعا ولا نقلل من اهمية بني العباس في حماية الاسلام وفرض هيبتة لمئات السنين .
استفاد المماليك من هذه الأخطاء، وعملوا على تجاوزها، وعدم الالتزام بسياسة حاضرة الخلافة العباسية المتداعية ، كما أن الخليفة كان حالة رمزية فقط تستخدم لوحدة الأمة، ولا حول له ولا طول، وبذلك نجد أنه كان أول نظام حكم في العالم ينص على ان : أن الملك يملك ولا يحكم . كان هذا عند العرب زمن العصور المتاخرة من بني العباس ، ففي أيام الوثنية كانت بلقيس مملكة اليمن تملك ولا تحكم: وأما في العصور الإسلامية فإن أول حاكم يملك ولا يحكم هو الخليفة العباسي بعد مقتل المنصور بن المعتصم وصار الحكم للأعاجم الذين تربوا في بلاط الخلافة عبر عدة أجيال وسيطروا على مقاليد الأمور وصار الخليفة رهين المحبسين كما قال الشاعر:
خليفة في قفص بين وصيف وبغا
يقول ما قالا له: كما تقول الببغا
ورأى السلاطين المماليك أن يكون حرسهم الخاص وجيشهم الخاص من المماليك ( من صنفهم ) وان يكون فرقة عسكرية من فرق الجيش، لهم أمراء أعضاء في مجالس الحكم المتعاقبة، وقد اكتشف السلاطين فيما بعد أن وجود المماليك حول السلطان المملوكي يعرضه للخطر، وقد يقتلونه، كما فعلت شجرة الدر بزوجها المعز أيبك، وكما فعل قطز بشجرة الدر وولدها المنصور، وكما فعل بيبرس بقطز إذ أمر حرسه المماليك بقتل سلطان مصر المملوك قطز الذي نصره الله في معركة عين جالوت، وكما فعل السلاطين من بعد كما سيأتي، ولو أن الخليفة العباسي اتخذ الأردنيين من حوله لكانوا له كما كانوا مع بني أمية ولاستطاعوا حمايته من الأعاجم الذين ساموا الأمة خسفاً.
7. الاستفادة من الصليبيين والأيوبيين في تعاملهم مع الأردن والأردنيين، فقد شرع الأيوبيون بالتعامل مع الأردن كردّ فعل لما فعله الصليبيون، وطوّر الأيوبيون تعاملهم مع بلادنا لمعالجة الهيمنة الصليبية على الأردن. فقد سبق وقلنا أن الفرنجة استفادوا من سياسة اليونان والرومان في بناء المدن والقلاع في بلادنا، وأنهم كانوا يأخذون غلات البلاد من الحبوب المختلفة والإنتاج الحيواني والمعدني والأعشاب الطبية فضلاً عن أنها كانت جبهة هامة للدفاع عن اليونان والرومان في وجه الفرس والبدو ودول بلاد الرافدين والهجرات من جزيرة العرب.
وجد الصليبيون ـ كما سبق وقلنا ـ أنهم أمام خطر قد يأتي من الصحراء سواء من جزيرة العرب أو الرافدين، أو حركة التفاف من دول شمال العراق وسوريا (في حينه)، أو من مصر وبلاد الحجاز، وأن تحصين الأردن أخذ أولوية قصوى وأنه لا يمكن الحفاظ على بيت المقدس والمملكة اللاتينية في فلسطين إذا لم يكن الأردن بأيدي الفرنجة، وكان بالنسبة لهم نقطة الوصل للطرق التجارية والعسكرية، ومصدراً هاماً للغذاء والدواء الطبيعي، كما أن أهله كانوا يوادعون ويسالمون ولا يشكلون خطراً على القلاع التي عمّرها الفرنجة في الأردن أو على وجود أعداء المسيح في هذه الديار.
أمام هذا كان ردّ الفعل الأيوبي هو الاهتمام بالأردن لتكون حلقة الوصل بين الشام ومصر، وللضغط على الصليبيين، وصارت الكرك في زمن بني أيوب أهم من القدس، إلى درجة أن ملك مصر الأيوبي عرض تسليم القدس للفرنجة مرة ثالثة مقابل بقاء الكرك والشوبك في يده، كما سبق وذكرنا بالتفاصيل في الباب السابق، وعند تحرير الكرك من الفرنجة على يد الاردنيين وقادة صلاح الدين، صارت الكرك عند الايوبيين هي المسمار الذي لا يجوز العبث به، وصار من يسيطر على حصنها يفوق في قوته قوة سلطان مصر والشام، وصارت الأردن نقطة التوازن والقوة، إذا مالت شمالاً انتصرت الشام، وإن مالت جنوباً انتصرت مصر، واذا مالت غربا تحررت القدس وفلسطين , وإن بقيت حيادية اضطر ملوك دمشق والقاهرة للصلح بعد المذابح والمعارك وذلك بسبب تساوي التوازن بين قوتيهما.
استفاد المماليك دروساً من هذه السياسة الفرنجية والأيوبية، وقد كانوا ضباطاً أو جنوداً أو قادة في الكرك عند أسيادهم الأيوبيين مثل الظاهر بيبرس الذي كان أول قائد لجيش إمارة شرق الأردن في العصور الإسلامية.
قام المماليك بتحصين القلاع، وشحنها بالسلاح والمال والرجال، وقبل كل شيء أحاطوها بحب الأردنيين حيث أحسنوا إلى أهلنا وآبائنا آنذاك، فتبادلوا الحب الصادق، وصار سلاطين المماليك يعتزون بأردنيتهم رغم جلوسهم على كرسي دمشق والقاهرة ـ كما سبق وقلنا ـ وصارت الأردن قوة الردع السريع القوي لضرب المعارضة في مصر أو الشام أو لقمع أي تمرّد أينما كان، ولتحرير ساحل فلسطين، وصارت قوات جيش إمارة شرق الأردن المملوكية متجانسة متدربة مسلّحة، إلى درجة أنها أول قوة استخدمت المدافع الحديثة في قصف القوى التي حاصرتها زمن السلطان الناصر أحمد بن قلادون الذي صمد في الحصار على الكرك الذي دام سنتين كاملتين، انتصر بعدها بعد استخدامه للمدافع.
كان ذلك الحصار زمن الناصر أحمد بن قلاوون على أثر اتخاذه للكرك حاضرة لدولة المماليك بدلاً من القاهرة، مما أغضب المماليك فأرسلوا قوات لحصاره لإجباره على العودة إلى ادارة الدولة من مصر وليس من الكرك ، أو التنازل عن العرش، وقد فوجئ المهاجمون بالناصر يستخدم المدافع ويقصف بها جموعهم فابتعدوا عن الأسوار، وصارت أبعد من مدى منجنيقاتهم، ووجدوه قد تفوق عليهم، بل كان يرميهم بالسهام المذهبة المفضضة (المرصعة بالفضة والذهب)، وقد وجد المهاجمون أبياتاً من الشعر على نصل أحد الأسهم:
ومن جودنا نرمي العداة بأسْهُمٍ
من الذهب الإبريز صيغت نصولها
يداوي يها المجروح منها جراحه
ويشري بها الأكفان منها قتيلها
ففشلت حملة الحصار هذه التي كانت قوات الحصار فيها خليطاً من عساكر مصر والشام. وانتصرت الاردن على مصر والشام , وانتصر الناصر احمد بن قلاوون على بقية المماليك واول من استخدم سلاح المدفعية عند العرب
وهكذا كانت تجربة المماليك مع الأردن تجربة ناضجة، ارتقت حتى صارت مركزاً لإدارة الدولة الإسلامية مما أثار حفيظة المماليك الاخرين الذين لم يتمكنوا من السيطرة عليها ، وقد وجد سلاطين وأمراء المماليك أن يأخذوا بأيدي الأردنيين من دائرة اللامبالاة بالحكام والصراع إلى أن يكونوا طرفاً فيه، وحماة لمن يلجأ إلى الكرك أو يتربى فيها أو ينتمي إليها. وقد نجحوا أيما نجاح في هذه السياسة، وساعدت الأردن على إطالة أمد حكم المماليك عامة بشكل واضح، ذلك أن لجوء الأمير أو السلطان إلى الكرك كان ينقذه من القتل في القاهرة، فإذا سلم والتجأ للقلعة الأردنية تعذّر إعلان سلطان آخر مكانه، لأنه صاحب الشرعية، أما لو بقي هناك لجرى قتله وتنصيب بديل له، مثلما حدث للأيوبي توران شاه ( اخر ملك ايوبي زوج شجرة الدر ) ، والمعز أيبك (أول سلطان مملوكي وزوج شجرة الدر ايضا ).
وقد أدرك المماليك هذه الحقيقة، فنجد من كان منهم يريد الأمن والسلامة , كان يهرب إلى الكرك , ومن كان منهم يريد التآمر في القاهرة او دمشق لا يستطيع إعلان نفسه سلطاناً , لأن ذلك أمر لم يكن مقبولاً شعبياً، ولا عند المماليك، كما أن الأمور في المرحلة التي تلت قلاوون قد استقرت سياسياً، حيث صار العرش السلطاني وراثياً، مما أوجد استقراراً سياسياً، مقابل إيجاد طبقة أمراء من المماليك رأوا في أنفسهم أعلى من السلطان وأعلى من الناس، وهم الذين يعطونه الشرعية لاعتلاء العرش، ولا بد من رضاهم مقابل استمرارهم في منحه هذه الشرعية، وإلا اجتمعوا وخلعوه أو قتلوه، إلا أن الكرك صارت ملاذاً للسلاطين الذين أفلتوا من القتل مرات عديدة، وحالات كثيرة إلى درجة أن السلطان الناصر بن أحمد بن قلادون قد خُلِع عن العرش حوالي ثلاث مرات ولكن لجوءه إلى الكرك وبقاءه فيها قد أبقى أتباعه يطالبون به، ويعود إلى عرشه إلى أن قُتل في نهاية المطاف.
وكان أهل الأردن يرون في ذلك شيئاً من الفخر والتكريم لهم ولبلادهم، لذلك شكلوا جيشاً كان يقوم بمهمتين هما: حماية المستجيرين من السلاطين والأمراء من جهة , وحماية البلاد من أي احتلال مصري أو شامي او صليبي من جهة اخرى ، ولكنها بقيت نقطة انطلاق باتجاه فلسطين ومصر وسوريا، وبقيت مركزاً لخزانة السلاح والمال والميرة والكسوة والخِلع (مفردها خِلعة)، وبقيت عصباً حيوياً للقوافل التجارية ومواكب الحجيج: وفيها إنتاج وفير، ودخل كبير.
وبقيت الأردن قاعدة للصراع السياسي والثورات، حيث انطلقت منها ثورة أولاد الظاهر بيبرس، والناصر محمد بن قلاوون، وأحمد بن قلاوون الذي قاد ثورته ضد المماليك في القاهرة، ونجح فيها، كما ثار فيها برقوق واستعاد سلطته بعد أن لجأ إليها للنجاة بروحه، كما أن القوات الأردنية حررت الساحل الفلسطيني من الصليبيين تحريرا نهائيا .
ولا شك أنها صارت مركز قلق لأي مملوك تراوده نفسه للوصول إلى السلطة في القاهرة ، لأن الأموال المخزونة بالكرك أكثر من تلك التي في القاهرة، وأهلها لا يتخلون عن المستجير بهم لأن ذلك عادة أردنية متوارثة ومقدسة .
كما بقيت الكرك بخاصة والأردن بعامة ملاذاً آمناً للأمراء والسلاطين، حيث تربى فيها العديد ممن وصلوا إلى السلطة ,اقول تربوا على الفروسية والصيد وحسن التعامل مع العشائر الاردنية ، كما كانت الكرك منفى أيضاً لأي سلطان يتم خلعه ويسلم من القتل، مثلما حدث للسلطان الناصر محمد بن قلاوون حيث تم عزله عن سلطنة مصر، ونفيه إلى الكرك، ومن هناك قاد ثورته بمؤازرة الأردنيين بعامة والكركيين بخاصة، فاستعاد عرشه بالقاهرة بأهل الأردن وجيش الاردن . وقد اتخذها مقراً له ولبنيه من بعده، حيث الأمن والأمان، وبذلك سلموا من القتل.
كان الظاهر بيبرس أول من اهتم بالأردن، ومنها بدأت تطلعاته وطموحاته تنضج وتأخذ مكانها، كما سنرى. كما كانت الأردن مصدراً للقار (الزفت) من البحر الميت والكبريت الطبيعي (من حمامات ماعين) الذي كان يستخدم في الحروب وقذائف حارقة تلقيها المنجنيقات على الاعداء . كما كان يستخدم في التحنيط عند الفراعنة القدماء .
كانت الأردن مصدر الميرة لمصر وسوريا في سني القحط، حيث كانت أراضيها توفر أرزاق العساكر في الدولة المملوكية، وفي القلاع الأردنية في الكرك والسلط وعجلون . فقد كان لدى الأردن اكتفاء ذاتي في الميرة والماء والحبوب بانواعها واللحوم والألبان , وهذه كانت عماد العيش في ذلك العصر، وكان يتم تخزين الفائض من القمح في القلاع، كل منطقة بمنطقتها،وكانت تنتشر مراكز لتوزيع هذه الميرة على العربان عند الحاجة في كل منطقة، وتزويد سوريا ومصر وقت القحط بحاجتها من الحبوب الأردنية، ومن الأمثلة على ذلك أن السلطان الظاهر بيبرس أمر بتجهيز خمسمائة غرارة من الكرك يفرقها في أهل الكرك من الفقراء والمساكين، وذلك عام 667هـ/ 1268م. ومثال آخر أن القحط أصاب مصر والشام عام 695هـ/ 1295م، فحدثت مجاعات وغلاء شديد، وقد تم حمل عشرين ألف غرارة من الحبوب من الكرك والشوبك والساحل أقول حملها إلى مناطق الجوع في مصر والشام.
وبذلك لم يقتصر دور الأردن على أنها مصدر الثورات المملوكية، وموئل السلاطين الهاربين أو المتمردين، والباحثين عن الراحة والاستجمام وسط الاهل الصادقين , بل أيضاً سلّة الغلال للشقيقتين مصر والشام وفلسطين ايضا , وهذا يبيِّن أن المماليك نجحوا في تحويل طاقات الأردنيين من دائرة اللامبالاة، وعدم التدخل بالصراع، إلى دائرة الموالاة والتحكم بالصراع، فنجحوا ( الاردنيون ) في الأولى في صراعهم من أجل البقاء، ونجحوا ( الاردنيون )في الثانية في صراعهم للاستمرار في البقاء، وبدل تدمير ممتلكاتهم وغلاتهم كما كان الأمر على يد صلاح الدين أكثر من مرة، فقد سادت زمن المماليك سياسة التعمير للبلاد، وزيادة الإنتاج، وبدل أن ينظر الأردنيون إلى الجيوش تروح وتأتي دون أن يعيروا لها بالاً أو يقاوموها صار لهم قواتهم المسلحة، فدعموها ووقفوا إلى جانبها، وانعدمت البطالة لفتح باب التجنيد منذ زمن الظاهر بيبرس وما بعده حتى نهاية العصر المملوكي، حيث بقيت الأردن في الواجهة وعلى الخارطة السياسية. بل صارت هي اللاعب الرئيس في الاحداث والمنطقة .
كما صارت الكرك/ الأردن قاعدة للتآمر على من حولها ايضا ، وهذه حقيقة تاريخية تكرَّست زمن الصليبيين ثم صارت واضحة زمن الأيوبيين، وصارت ظاهرة واضحة زمن المماليك، ونستطيع القول أنه لا يوجد ملك أيوبي اتخذ من الكرك معقلاً له إلا وتطلع لأخذ الشام ومصر أو أحدهما، وقد ذكرنا ذلك بالتفاصيل عند الحديث عن الأيوبيين، حتى إذا ما اعتلى المماليك عرش السلطنة بالقاهرة كانت أول مؤامرة ضد المماليك قادمة اليهم من خارج مصر، جاءتهم من الأردن، عندما أرسل الملك الأيوبي المغيث بجيش للقضاء على المعز أيبك وقطز. وبيبرس الذي وضع نهاية للمغيث والذي كانت نهايته أن صار اسمه الملك المغيث قتيل الصرامي / القباقيب كما قلنا.
كما حاول المغيث ( انطلاقا من الاردن ) أخذ الشام والتآمر على أبناء عمه في دمشق ففشل، كما راسل التتار للتآمر معهم ضد المماليك ومصر والشام مقابل أن يكون سلطاناً على هذه الديار، وقام قطز باعتقال ولده (ولد المغيث ملك الكرك / الاردن انذاك ) في الشام عندما كان هناك (ابن المغيث الأيوبي) يحوك المؤامرات ضد السلطان قطز في دمشق فقبض عليه ونقله إلى مصر وحبسه، ولم يخرج من الحبس إلا بعد عشرين سنة، بأمر من السلطان بيبرس كخطوة خداعية للملك المغيث ليستدرجه إلى مصر وينتقم منه لما قيل أنه كان اعتدى على زوجة بيبرس والله أعلم.
وعندما أراد الأيوبيون استرجاع عرش مصر من المماليك أوكلوا مهمة التآمر هذه للملك المغيث بالكرك الذي سارع بتجريد ثلاث حملات عسكرية اردنية إلى مصر، قبل أن تصله نجدات من الشام، ولكن هذه الحملات التآمرية لم تلق إلا الهزائم المتتالية . إلا أن المغيث تآمر مرة أخرى على ابن عمه ملك دمشق يريد عرشه مما حدا بالملك الناصر يوسف ملك الشام أن يتحرك باتجاه الأردن لتأديب الملك المغيث، فخيم في زيزياء، والتقى بقبائل جذام الذين نصحوا الا تكون الاردن ساحة للصراع بين ابناء البيت الواحد , وجرت المراسلات، ثم الصلح بينهما، ومن صفقة التآمر هذه أن المماليك الذين استجاروا بالمغيث من نار الناصر يوسف ( ملك الشام ) تم تسليمهم للناصر يوسف فأخذهم معه إلى دمشق ثم سجنهم في قلعة حلب مما أوغر صدور المماليك في مصر أيضاً غضبا لعرقهم من المماليك المسجونين .
كان غالبية هؤلاء المماليك ضحايا التآمر الخسيس الذي صدر عن الملك المغيث ملك الكرك قد تحولوا الى جبهة الرفض المملوكية في مصر , وسعوا جهدهم للصلح ما بين عز الدين أيبك/ سلطان مصر، والملك الناصر يوسف ملك دمشق، وكانوا من المماليك البحرية الذين اشترطت بنود الصلح عدم إيواء أحد من البحرية الهاربين من مصر، فأواهم المغيث بالكرك ثم تآمر عليهم وسلمهم للناصر يوسف الذي أودعهم سجن قلعة حلب لانه كا يريد منهم ان يقفوا معه وليس مع اصلاحه مع عزالدين ايبك , لان الملك الناصر يوسف يرى انه السلطان الشرعي لمصر وليس عز الدين ايبك ( المملوك ) وبالتالي لاتجوز المصالحة معه لان المصالحة تعني الندية والاعتراف بشرعية المملوك انه سلطان .
وأكثر الكتب تفصيلاً عن المماليك في الأردن، هي التي كتبها الأستاذ الدكتور يوسف حسن درويش غوائمه في كتابيه: التاريخ السياسي لشرقي الأردن في العصر المملوكي/ المماليك البحرية، وإمارة الكرك الأيوبية، والحقيقة أن المؤلف بذل مجهودات مشكورة في كتابيه هذين، وفيهما من التفصيلات الدقيقة عن وقائع التاريخ الأردني في هذا العصر ما ألقي الضوء على العصر الأيوبي والمملوكي وما يغنيني عن الخوض في مزيد من التفاصيل هنا , فنحن نتحدث عن محطات في تاريخ الاردن وعشائره . ولم تقع يدي على كتب مفصّلة في هذا الشأن عن الأردن كما الامر في هذين الكتابين، ويستحق المؤلف احترامنا وتقديرنا لذلك، كما أن كتاب المؤرخ الأستاذ الدكتور محمد عدنان البخيت بعنوان مملكة الكرك يلقي الضوء على هذه الحقيقة أيضاً.
من هنا، فإن حديثنا عن العصر المملوكي لن يكون مفصّلاً لأن الكتب الثلاثة أعلاه التي كتبها الاستاذان الفاضلان تغني عن ذلك، أما نحن فإننا نركز على محطات في تاريخ الأردن، ونقف لغايات التحليل للتوصل إلى فكر وطني يعتمد من جملة ما يعتمد عليه حقائق التاريخ التي تبيِّن أن الأردن لم يولد عبثاً، ولم يولد في القرن العشرين، بل انه بلد له كيانه وشعبه وهويته بنفس الاسم، شرق الأردن منذ ثمانية قرون ونيف.وانه موجود كوطن وكيان وشعب وهوية وثقافة منذ الاف االسنين . كما أن الخوض في تفاصيل أحداث السلاطين المماليك يأخذنا للحديث عن بلدان خارج الأردن، وهو ليس مجال كتابنا ولا موضوعه أصلاً.
عندما ساد الاستقرار إمارة شرق الأردن في النصف الثاني من العهد الأيوبي، وعند تحرير البلاد من الاحتلال الصليبي، صارت الأردن ديار استقطاب لثلاث فئات هي:
1. الحكام الذين يريدون الاستقرار ويبحثون عن ملاذ آمن.
2. عودة بقية وبقايا العشائر الأردنية من نجد والحجاز ومنطقة العلا والجوف ووادي السرحان والبادية السورية، وجزيرة الفرات وسيناء ومصر والعراق ، أقول عودتهم إلى بلادهم , وعمّروها وتمت إعادة توزيع الأراضي والديار على أصحابها الأصليين والتحق كل عائد بعشيرته الاصلية اينما كانت في ربوع الاردن .
3. ظهور العشائر الأردنية التي بقيت في ديارها أو على أطراف البادية، وبذلك برزت هوية جديدة انصهرت فيها هذه العشائر جميعها ضمن ما سمي بإمارة شرق الأردن التي امتدت من العلا إلى الوجه إلى العقبة إلى هضبة الجولان ومن تيماء ودومة الجندل، ووادي السرحان إلى نابلس متضمنة طبرية والغور وبيسان وأريحا، وصار للشعب قائد هو ملك الكرك، وعاصمة هي الكرك , وللبلاد حدود يتحرك فيها الناس هي التي ذكرناها , وللوطن جيش اردني ينظم إليه العاطلون عن العمل والميالون إلى الفروسية والراغبون في الحرب بدلا من ممارسة النهب والسلب، لذلك نجح الجيش الأردني لأنه متجانس التركيب،في مهماته وحروبه , فهو متجانس من أبناء العشائر ويعتبر النكوص أو الهزيمة عارا على المنهزم وعلى أهله وإخوانه وأولاده وبناته، وبذلك شكلت العادات الأردنية ضابطاً لهم في الحرب والصمود يفوق الأوامر الصادرة إليهم من قياداتهم.بل ان قياداتهم تعلمت منهم الانضباط والفروسية
كما أن الخيانة ليست في ثقافة الأردنيين لأن ذلك عيب، حيث المثل الأردني يقول:
أهل البوق ما تنتهض فوق
whom he betrays the others will never be ahead or above people.
من هنا فإن الأيوبيين والمماليك أدركوا هذه الصفة في الأردنيين وهي أن الغدر أمر مشين ومعيب في ثقافتهم وعاداتهم، وقد جذب هذا الأمر سائر الملوك والسلاطين والأمراء الباحثين عن الأمن والأمان لانه لاتوجد خيانة عند الاردنيين ، وأيضاً كان ذلك عامل طرد للخونة الذين لا يجدون في أهل الأردن من يأخذ بأيديهم نحو الخيانة، ورغم أن الأردن استخدمت من قبل بعض ملوك الأيوبيين وسلاطين وأمراء المماليك مركزاً للتآمر، إلا أن ذلك كان على المستوى السياسي والملوك والقيادات ولم يكن على مستوى الشعب الأردني الذي يرفض ذلك رفضاً باتّاً.
ازداد الاستقرار والازدهار زمن المماليك، وأكثر ما كان زمن الظاهر بيبرس الذي عرف البلاد وهو يخدم في بلاط الملك الأيوبي المغيث . وكان (بيبرس) قائد القوات الأردنية في حرب عين جالوت ثم صار قائد القوات العربية في تلك المعركة، وكان على علاقة حسنة مع العشائر، ومعرفة شخصية من خلال وجودهم بالجيش، وجولاته في مضاربهم للصيد والتعبئة والتجنيد، والعلاقات العامة، لذلك نجد أن بيبرس غدر بقطز خارج الساحة الأردنية ـ في مصر، ولو فعلها في الأردن لكانت نهايته , وهو يدرك ذلك لأن الأردنيين يكرهون الغدر والبوق. ولو قتله في الاردن لقتله الاردنيون ( اي لقتلوا بيبرس )
عندما آلت الأمور إلى الظاهر بيبرس وقتل الملك المغيث في مصر عن طريق الصرامي، حتى سمي: قتيل الصرامي، كان أول اهتمام لبيبرس خارج القاهرة بعد أن استقرت له الأمور أن ذهب الى الاردن , الى الكرك . لم يستطع بيبرس ان يقتل المغيث في الاردن لان ذلك سيعتبر خيانة منه ضد الملك في ديار شعب لايعرف الخيانة , وهو الشعب الاردني , ولكنه استدعاه الى القاهرة وهناك قتله بطريقة مضحكة كما قلنا
لقد كان غدر بيبرس بالسلطان قطز ثم بالملك المغيث قد أثار الأردنيين عليه ( على بيبرس ) رغم أنه لم يقع على الأرض الأردنية، وقد حسب بيبرس لغضب الأردنيين ألف حساب، وهو يعرف أنه لازال هناك في الشام ملك ايوبي عرش دمشق، وبالتالي فإن انضمام الأردن إلى الشام ستؤدي إلى فقدان بيبرس لسلطانه في مصر، حيث لا زال موضع كره لدى نسبة عالية من قطعان المماليك والذين كانوا يحملون اسم الامراء ( امراء المماليك ) .
تحرك بيبرس لاحتواء الموقف في الأردن وكان تحركه على ثلاثة محاور :
الأول: إرسال مندوبيه إلى قلعة الكرك والالتقاء بحاميتها وغالبيتهم من الجيش الأردني واللقاء بعربان الكرك، يحذرهم عواقب العصيان، ويتحدث إليهم بلغة هي مزيج من الحلم والحزم، واللين والشدة والترغيب والترهيب، وحمل المندوبون الأموال والكسوة والخلع والنفقات لتوزيعها على ذوي الشان في العشائر الاردنية , وذلك لاستمالة القلوب الحاقدة، وتطبيب النفوس الغاضبة ووقف وتطويق اية نشاطات معادية لبيبرس وسلطاته .
والثاني: أنه أطلق سراح جنود الملك المغيث الذين جاءوا معه إلى مصر قبل وفاته، وجلهم من الأردنيين وخلع عليهم وأعطاهم المال وطيب خواطرهم، وسمح لهم بالعودة إلى ديارهم وأهليهم بالأردن محملين بالأموال والهدايا، وصرف لهم الرواتب السابقة كلها رغم أنهم لن يكونوا على رأس عملهم لفترة طويلة ـ معتبرا اياها إجازة براتب.
أما الثالث : فكان تحركه شخصيا إلى الديار الأردنية، ترافقه قوة عسكرية قوامها: من المماليك والمصريين والأردنيين الذين رغبوا الالتحاق به وكان حريصا ان يكونوا معه , وذهب إلى القدس وزار الأماكن الإسلامية المقدسة وأمر بإعمارها وترتيبها، وإنفاق الأموال التي تحتاج إليها، وكان ذلك لتحسين صورته لدى أهل الأردن وفلسطين أنه مهتم بالقدس التي حررها الجيش الأردني على يد الملك الأيوبي الناصر داود كما سبق وذكرنا.
وبعد ذلك ذهب إلى الأغوار الأردنية والتقى عشائر الشمال بناء على طلب مسبق منه عند مقام ابي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه , وقد وفدت شيوخ ووجهاء عشائر شمال الاردن الذين اشتركوا في معركتي حطين وعين جالوت واستقروا مرابطين هنا للدفاع عن جبهة الاردن ضمن مايمكن ان نسميه جيشا مقاتلا ولكن بدون رواتب , وهم منظمون على اساس عشائري يقوم زعماء العشائر عندهم بوظيفة القائد العسكري , ولا داعي لتكرار اسماء هذه العشائر الكريمة وسوف نتطرق اليها بالتفصيل فيما بعد ايضا ان شاء الله .
, ثم ذهب إلى عمان والتقى عند عين عمان ( موقع امانة العاصمة حاليا ) بعدد من عشائر جذام ( العبابيد ( بني عباد وكانت زعامتهم في الجرمي / الجروم ) وبني حميدة وبني عجرمة والدعجة , وعشائر البلقاوية ( بلقين سابقا / قبل الاضطهاد العباسي ) وقضاعة وبني سليح وبني عاملة وابو حمور باعتبار ان عمان جزءا من مقاسمهم العشائرية من جهة , ولتوفر الماء على راس سيل عمان , وتوفر المراعي في سهول عمان الغربية من جهة اخرى . وفي نبع حسبان التقى العجارمة وبني حميدة وبني كلب ( العوازم ) والازد ( الازايدة ) ولخم ( ابو الغنم / بضم الغين وسكون النون ) , ثم توجه الى قلعة حسبان وعززها ودعمها لتكون محصنة , ثم توجه إلى بركة زيزياء حيث التقى مع القسم الاخر من جذام وهم بني صخر وكانت زعامتهم انذاك في بني زهير ( احفاده ابن زهير / وفيهم مشيخة الجبور من بني صخر الان ) هناك وخلع عليهم وعلى بني صخر شيوخا وافرادا ، وبذلك طاب خاطر قبائل البلقاء من نهر الزرقاء إلى الموجب الذين توافدوا عليه في الأغوار وأريحا وعمان وحسبان وزيزياء، وكانت هذه الرحلة أثناء شهر شباط ونيسان لأنه وصل الكرك قادماً من زيزياء في 4/5/1263م.
كان ربيع الأغوار في شباط وجبال البلقاء في نيسان رائعاً، يسرّ الناظرين، وكانت رحلة جميلة ومريحة للسلطان، وقد تجمع العربان، ونحروا وذبحوا وقدموا الأطعمة إكراماً للضيوف والسلطان، وقدموا له هدايا الأنعام المسماة قوايد، مفردها قوادة qawaid – single quadah.
A head of animal given as present to other party for slaughtering as sacrifice.
بعد زيزياء مرّ باللجون في الكرك والتقى عدداً من العشائر هناك : التقى بني عقية والغساسنة ونصارى الكرك والانباط ( الحويكات واللياثنة وبني عطية ) ، وأحسن إليهم، وقدموا له الشكر أنه أرسل مندوبية بالمال والكسوة والعطايا والهدايا، وصار الحديث أن الدنيا دول وتداول، وأن لكل زمان دولة ورجال، وأنه لا داعي للبكاء على الأطلال فقد ولّى عصر الجاهلية والايوبيون إلى غير رجعة. واتفق الجميع على ذلك .
لا بد من القول أن مندوبي بيبرس أقنعوا الناس بالحسنى والتهديد في ان واحد , وأن الدنيا تغيِّرت وأن ما مضى من أيام وملوك لن يعود منها أحد، وبالتالي عليهم أن يخضعوا للأمر الواقع وان يرحبوا بالسلطان بدل الثورة عليه . وبعد مداولات قام بها مسبقا مندوبو السلطان شملت زعامات العشائر، وأخذهم من الأموال والكسوة ما أرضاهم، اتفقوا على تشكيل وفد منهم للالتقاء بالسلطان في وادي الموجب باللجون، وعلى رأسهم أولاد الملك المغيث وهو الملك العزيز فخر الدين الذي استنابه والده المغيث عند خروجه إلى مصر في سفره الذي انتهى بقتله بالصرامي/ مفردها (صرماية)، كما صحبهم قاضي مدينة الكرك الشرعي وخطيبها.
سار هذا الوفد من شيوخ العشائر الأردنية في ديار الكرك ومن بقايا سلطة الأيوبيين، ودخلوا على سرادق السلطان الذي كان منصوباً على نبع ماء اللجون في أعلى الموجب، وطلبوا الأمان والصفح، حينها أدرك بيبرس أن مندوبيه قد ادواوالمهمات وحققوا الأهداف بكفاءة عالية. وكان الأمر على الطريقة الأردنية في المصالحة بين المتخاصمين وبوس اللحى , أن يطلب المخطئ الصفح ممن وقع عليه الأذى، والأمر هنا أن الأردنيين وأبناء المغيث في موقف المعتدي (؟!) والظاهر بيبرس في موقف المعتدى عليه ؟؟؟؟ . والحقيقة هي العكس . انها موازين القوة والمال والسلطان .
ولا شك أن الزمن الذي قضاه بيبرس في الكرك قد علّمه عادات الأردنيين في حلّ الإشكالات عن طريق الجاهات وطلب الصفح، وإعلان العفو والمسامحة، ومبدأ ( هاللحى من هاللحى نظاف ) وكذلك كان منه ذلك إذ أجاب الظاهر بيبرس طلب شيوخ العشائر وأولاد المغيث وأعطاهم الأمان وخلع عليهم، وصرف لهم الأموال الكثيرة حتى طابت نفوسهم، وكأنه يدفع دية الملك المغيث سلفا ولكن ليس لولديه فحسب، بل ولرعية عربان الكرك قاطبة .
كان شيوخ الشمال والبلقاء والأغوار يرافقون الملك الظاهر إلى الكرك حيث تدفقوا للتدخل لإصلاح ذات البين، بين السلطان وبقية الاردنيين , ولكي يحضروا قرارات السلطان الهامة في اعادة توزيع الامارات زالشيخة بين العشائر وبذلك كان الجو احتفاليّاً ومبايعة أردنية للسلطان الجديد (بيبرس)، وبقي السلطان في اللجون واستضاف أبناء المغيث وشيوخ العربان، وأخذ مفاتيح مدينة الكرك وقلعتها وأعطاه لمندوبيه لفتحها والإيعاز لحاميتها وأهلها أن يرفعوا الزينة ويدقوا الطبول فرحاً بمقدم السلطان عند دخوله في الأيام القادمة، وقد تسلمها المندوبون يوم الخميس وأرسلوا البشائر للسلطان أن يتقدم ومعه زعماء الأردن من اليرموك إلى العلا حيث حضروا جميعاً للمبايعة والمباركة والمشاهدة، ومعه أبناء المغيث والجنود الأردنيين، والجنود المماليك.
من الواضح أن الظاهر بيبرس أراد الدخول يوم الجمعة لأنه يوم مقدس عند المسلمين وله الأفضلية على سائر الأيام، ولكي يصل الجمعة في مسجد القلعة ، ويسمع الدعاء له على منابر الكرك لأول مرة وهو يستعرض ذكرياته عندما كان هائماً في الكرك لا وزن له ولا قيمة، ثم في حاشية الملك المغيث، ثم قائداً لجيشه ثم صديقاً للعربان من حوله، إنه شريط لا بد وقد صعد إلى ذهن السلطان الظاهر بيبرس الذي جاء طفلاً مملوكاً من وراء بحر قزوين إلى مصر، ثم تربى في بلاط الملوك الأيوبيين خادماً لهم وحارساً لهم ثم صار سلطاناً عليهم وصار بإمكانه قتل ملك من ملوكهم بالصرامي.
لا بد أنه قرأ في نفسه الآية القرآنية الكريمة: ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيء قدير ) فسبحان الله رب العالمين. وبالفعل دخل السلطان صبيحة الجمعة إلى أسوار المدينة، ووقف عليها والناس من حوله يهتفون ويكبرون "الله أكبر" ولا شك أنها كانت لحظات مؤثرة وهو بذلك متفهم تماماً للأمثال الأردني: صابح القوم ولا تماسيهم sabih il-quum wala itmasiehum.
It in more better to start with others in the morning (openning of the day) not at night (i.e. after sunset).
والمثل الأردني: خذ النهار من أوله start your day right from the beginning.
وارتفعت الأعلام والزينات على الأسوار، وسار السلطان إلى القلعة حيث جلس في قاعة العرش الناصرية التي أنشأها الملك الناصر داود الأيوبي، والتي كان بيبرس مملوكا فيها يقدم الخدمة للملك الايوبي المغيث , وسجد الظاهر بيبرس شكرا لله. لقد كان واحداً من العساكر في هذه القلعة، وكاد الاعتقال أن يناله ليؤخذ إلى دمشق مع مجموعة المماليك الذين سلمهم المغيث إلى الملك الناصر يوسف ملك الشام، ولكن الله أنجاه، ولا شك أنه تذكر ما في يده من كتلة دهنية بارزة كالخرزة الكبيرة، وكانت تعتبر علامة تشويه في يده، وسخر منه الملك المغيث ملك الكرك بسببها وهم على مائدة الطعام في هذه القاعة ذات يوم عندما كان المغيث ملكا وبيبرس مملوكا عنده ، فسأله المغيث عن هذا التشويه في يده ؟، فقال بيبرس مازحا : إنها خرزة الملك، مما نبَّه المغيث إليه، وشعر أن هذا الظاهر بيبرس يحمل في صدره ورأسه مطامع للوصول إلى العرش، فكان ما كان من المغيث تجاه بيبرس وزوجة بيبرس ، وكانت ردود الفعل والحيل والخدع حتى قبض على المغيث وقتله شرّ قتلة وأسوأها بعد سنوات طوال .
إن هذه الذكريات لا بد وأنها تثير المشاعر، ومن حول الظاهر زعامات الأردن التي كانت تجلس في هذه القاعة تقدم الموالاة للمغيث دون أن يلقوا بالاً للظاهر بيبرس وهو مملوك بين يدي المغيث ، وهم الآن يبايعونه ويقدمون له الموالاة والطاعة وينسون الملك النغيث ولا يتحدثون عنه بكلمة واحدة طيبة , والكل يعرف ماذا صنع مع بيبرس : إنه الملك يؤتيه الله من يشاء وينزعه ممن يشاء.
أراد بيبرس أن يظهر للأردنيين بعامة وأهل الكرك بخاصة أنه منهم ويحبهم فأمر بإعمار القلعة واستدعى النجارين وأهل الصنائع من الشام وعجلون، وذلك لمزيد من التحصينات، وفتح مصنعا للسلاح في هذه القلعة لتتوفر الأسلحة للناس، لأنه كان يعدّ العدة لأشياء أخرى، ولا شك أنه يريد استرضاء الأردنيين بأية طريقة ليكونوا عوناً له ولأولاده من بعده، وهذا ما كان.
وأما الأمر الآخر الذي أصدره، فهو العفو العام عن جميع الأردنيين، وصرف الرواتب للجنود بعد حرمانهم منها لعدة أشهر، وأعطاهم الخيل والجمال والبغال وأعلافها، وحوَّل الجيش من مشاة إلى فرسان وهجّانة، حيث أنه عمل كما عمل ملوك مديان الذين شكلوا أول سلاح هجانة في تاريخ الأردن قبل الميلاد بمئات السنين، واستفاد مما فعله الصليبيون الذين استغلوا الفرسان الأردنيين في تدريب جنود الفرنجة والقتال على جبهات أخرى، كما فعل الرومان أيضاً إذ كان هناك جيش أردني من الفرسان والهجانة في سائر المراحل الرومانية وما قبلها ، وقد كان قوام هذا الجيش العربي الأردني في معركة مؤتة مائة ألف فارس أردني من العشائر الأردنية، وكانوا في تلك المعركة (مؤتة) يضعون الجنود الرومان وعددهم أيضاً مائة ألف، دروعاً بشرية بينهم وبين المسلمين. اذن نحن امام تاليف سلاح للهجانة للصحرا والبادية وسلاح للفرسان والقرى ومشاة داخل القرى والبلدات ومعهم خيولهم ايضا . انه يوس لادارة حقيقة بمفهوم ذلك العصر . وقد تجاوب معه الاردنيون كثيرا على مبدا ( اللي ياخذ امي هو عمي ) فمن اخذ امهم وهي تاللسطة هو الظاهر بيبرس الان , وبالتالي هو العم / اي ولي الامر والذي يمكن الانتفاع منه .
نحن نرى أن الظاهر بيبرس استفاد من سائر تجارب الأمم والدول في التعامل مع الأردنيين والذي لا يكون إلا من خلال ثلاث خصال: المال، السيف، اللطف. فهو قد بذل المال أولاً، بعد التهديد والوعيد، فصار الخيار أمامهم إما السيف والانتقام والموت، أو المال والحياة والطاعة، كما جاء اللطف منه على شكل عفو عام وهدايا وأعطيات حتى دانت له الأردن باللطف والمال وليس بالسيف والموت .
وبناء عليه استفاد من فروسيتهم فشكل سلاحاً اردنيا للفرسان، واستغل إتقانهم لركوب الإبل وتربيتهم لها، فشكل سلاحا اردنيا للهجانة، ولم يعد عنده مشاة بدون رواحل ، وكان ذلك أعظم استمالة لقلوبهم . فالاردني يبح الخيل والابل والسلاح وهذا ماوفره لهم السلطان بيبرس . فالجندي المشاة صار يركب فرساً أصيلاً أو هجيناً مدرّباً، ويتقاضى راتبا شهريا , وصار يتفوق على الآخرين، وصار في القلعة مصنع سلاح يتزوَّد منه في أي وقت وعند الحاجة بما يريده، وصار صرف الرواتب , فضلا عن المكافئات ثمناً للعليق والسروج والأشدّة (مفردها شداد ـ وهو ما يوضع على ظهور الإبل عند الركوب، وتسمى الأكوار ومفردها كور)، وزاد في ذلك أن أعطاهم رواتب ثلاثة أشهر سلفاً، وبذلك كانت أول سلفة تعطى من سلطان أيوبي او مملوكي للجنود الأردنيين بخاصة عن سائر الجنود الاخرين ، وقد زاد هذا في حبهم وموالاتهم له.
الملفت للنظر أن بيبرس أمر بأن تبقى الممتلكات السابقة بأيدي أصحابها من العشائر ، وهو امر يجب التوقف عنده لانه يعني عودة الكثير من العشائر التي شاركت في حطين وعين جالوت , ومنهم من عاد بعد انتهاء الاضطهاد العباسي و فضلا عما حدث من قتال وقتل بين انصار الايوبيين الذين افل نجمهم وبين من فرح للخلاص منهم ورحب بدولة المماليك . لذا فقد تعامل مع الدماء بالحفار والدفان ( عادة اردنية قديمة اشرنا اليها في الحلقة السابقة ) , كما اقام الصلح بين الخصماء ودفع الديات من قبل السلطان , واما الاراضي فاعاداها الى اصحابها , وأعاد أموال أبناء الملك المغيث وأحسن إليهم وأخرجهم من القلعة إلى عين سارة في وادي الكرك بانتظار أوامره، وبذلك ارتاح منهم، وأبعدهم عن أنظار أتباعهم الأردنيين . ثم استدعى الزعامات الرئيسة والفرعية من عربان الكرك وبلغ عددهم أكثر من ثلاثمائة، وتحدث إليهم إذ أعطاهم المال والسلاح، وخاطبهم قائلاً: "إنكم قد أسأتم إليَّ وعفوت عنكم لكونكم ما خامرتم على صاحبكم وقد ازددتم بذلك محبة عندي".
وبذلك نجد أن بيبرس كان مدركا تماماً لصعوبة الغدر عند الأردنيين , وما قام به من غدره لقطز والملك المغيث ملك الاردن الايوبي , فهم ( الاردنيون ) لم يغدروا الملك المغيث (ما خامرتم على صاحبكم ـ أي لم تغدروه ولم تغشوه) وهذا ما زاده حباً فيهم واحتراماً لهم. وفي رأيي أنه لم يكن لديه خيار آخر أصلاً، وأنه إنما قال ذلك فقط لاستمالتهم، وهم مدركون لذلك تماما فالادرنيون يتظاهرون بعدم فهم الحقيقة وهم يعرفونها موجزا وتفصيلا .
لقد احسن صنعا أنه أجرى الصلح العشائري بين الغرماء الذين وقع بينهم ثأر من ابناء العشائر الاردنية ، ولا شك أن القتل كان بسبب اختلاف الموالاة بين الأيوبيين والمماليك كما قلنا توا ، بين من استغل ذهاب دولة المغيث ونهب حلال وأرض من كان مخلصاً له، وبين من كان يتربص الدوائر بالأيوبيين .وبذلك حدث زمن الظاهر وبحضوره ما يسمى في عرف الأردنيين، حفار ودفان digging and burying على ما غبا وبان، وكان اول حفار ودفان اردني عشائري في الاردن . وقد وقع حفار ودفان أيضاً في الكرك ما بين الحويطات وزعيمهم الشيخ حمد بن جازي شيخ مشايخ الحويطات في حينه ، وبني صخر وزعيمهم مثقال بن فايز شيخ مشايخ الصخور في حينه عام 1924 في بداية تأسيس الإدارة بالأردن زمن الانتداب البريطاني . وان بيبرس بعمله هذا قد اعاد التحام والتئام العشائر الاردنية معا
إن هذه العادة الأردنية بالعفو العام لا بد وأن يرتبط بها حفار ودفان digging and burying بين الخصماء، وهذا ما أدركه الظاهر بيبرس الذي بدى متمرّساً بالعادات الأردنية بشكل واضح وجهز نفسه لمثل هذا الموقف منذ كان مملوكا عند المغيث الايوبي في قلعة الكرك . وكما انتهى الأمر بالصلح والوئام زمن الظاهر بيبرس كذلك حلّ الوئام بين أقوى قبيلتين أردنيتين حتى منتصف القرن العشرين عام 1924، وهما الصخور، الحويطات من خلال مؤتمر عشائري حضره شيوخ الصخور والحويطات وشيوخ الكرك، وهو نسخة واضحة لما حدث بالكرك نفسها عام 1263 أي قبل ستمائة وواحد وستين سنة من الصلح العام الحويطي الصخري.
واتخذ الظاهر بيبرس خطوة أخرى، إذ ملأ شواغر الوظائف في إمارة الكرك من أهل الكرك وسائر الأردنيين، فيما يشبه الحكم الذاتي، وأبقى القرار الأعلى في القلعة لنائبه فيها، وأبقى الحامية خليطاً من الأردنيين والمماليك والمصريين , ليكون التوازن وحتى لا يطغى عنصر على الآخر ويقوم بانقلاب عليه، وليكون كل طرف عيناً على الأطراف الأخرى، وسيّر سلاحي الهجانة والفرسان لحفظ الأمن في البلاد في جبالها وباديتها وقراها ، مرتبطين بنائبه في قلعة الكرك، ولم يفرق بين النصارى والمسلمين منسجماً بذلك مع ثقافتنا الأردنية التي لا تعرف العنصرية والتفرقة بين الفئتين لأنهم أصلاً أقارب ومن قبائل واحدة من حيث الدم .
وأكرم العلماء والموظفين أيضاً، بحيث زاد كرمه وسماحته على سائر من سبق من الملوك والأمراء، وأرسل إلى دمشق وحلب وحماه أن يرسلوا فائض إنتاجهم من الميرة والذخائر والأسلحة لتخزينه في الكرك، في حركة واضحة أنه وضعها الملاذ الامن والخيار الأول بعد القاهرة إذا شعر بالخطر هناك والمنطلق الذي يشنّ منه حملاته لاستعادة سلطته اذا فقدها في دمشق او مصر او فلسطين ، وأن تكون الأردن قوية عسكرياً واقتصادياً وتماسكاً اجتماعياً بحيث يضرب بهم أي تمرد شامي أو تمرد مصري او فلسطيني .
وبذلك صارت الأردن مركز قوة الردع السلطاني، ومخزن المال والغلال والسلاح والذخيرة، والصناع ثم جمع أهالي الكرك وحلف المسلمون على القرآن والنصارى على الإنجيل بالإخلاص له، بعد أن أشبعهم مالاً ولطفاً وكسوة وكل شيء، وحقق طلباتهم وأراحهم من الدماء والثارات، وضبط أمور البلاد وصرف الأرزاق للناس والرواتب، ثم طلب من نائبه في الكرك أن يحلف يمين الإخلاص للظاهر بيبرس ثم لولي عهده وابنه (ابن بيبرس/ الملك السعيد ) من بعده. وأمر بكتابة الوثائق بذلك مع التواقيع والشهود. ولم يفعل ذلك الا في الاردن امام شيوخ عشائر الاردن جميعا من هضبة الجولان الى العلا ومدائن صالح , لانه يعرف صدقهم ولانه اكرمهم على سائر ابناء الرعية , ولان الكرك والاردن منيعة وهي متداخلة مع الشام ومصر وبلاد الحرمين الشريفين . لذا بدا بمبايعة ابنه من الاردن وبالذات من عاصمتها وهي الكرك المحروسة . وبذلك نرى ان كل مافعله انما كان ضمن مخطط واضح في ذهنه مسبقا .
وهكذا برزت نوايا الظاهر بيبرس أن تكون الكرك والأردن وأهلها ملاذاً له ولأولاده، يجدون الاخلاص والمال والسلاح والغلال والجيش الكافي لتحقيق الأهداف المرجوة بالحفاظ على العرش أو استعادته إن فقدوه. كما أضا




