*
الاحد: 28 ديسمبر 2025
  • 01 نيسان 2021
  • 08:04
الدباس يكتب  الأردن في شركة
الكاتب: علي احمد الدباس
الدباس يكتب الأردن في شركة

لطالما قلتُ ان الملكية الاردنية هي نموذج مصغر للأردن؛ تعكس واقع اقتصاده اذا انتعشت؛ وتعكس واقع بيروقراطيته اذا ترهلت ؛ وتعكس واقع ريادته اذا نجحت ؛ وتؤشر الى مواطن الخلل اذا كبت! ولذلك نستبشر خيراً بالقرار المزدوج من الحكومة ومجلس ادارتها تباعاً بتكليف المهندس سامر المجالي أحد خيرة أبنائها المخضرمين رئيساً تنفيذياً لها! 

المهمة صعبة جداً حين يرثها شخص مثل سامر آمن بالشركة وكانت بيته الأول لأكثر من ثلاثين عاماً.... وقد شعرتُ به يوم أمس وهو يتسلم موقع القيادة وشبهته بأهل الكهف الذين تركوا مدينتهم على حال وأنامهم الله فصحوا في مدينة أخرى؛ يومها فرحوا ان المدينة آمنت وتطورت ؛ أما رئيسها التنفيذي القديم الجديد فإن الغصة ستتملكه حين يرى ما فعل بها اولئك "الساقطون عليها بالبراشوتات" و "المتعربشون عليها كالطُّفيليات! " فأنزلوها من شركة الطيران الاولى التي تربط المشرق بالعالم في آخر عهده بها لتصبح اليوم شركة الطيران الوحيدة الممنوعة من حمل المسافرين من لندن الى عمان فحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنسِ! 

كنتُ أفضّلُ ان نمنح الرئيس التنفيذي الجديد فرصة قبل ان نفرط في التفاؤل او نحمله ما لا يحتمله جبلٌ وسط جائحة كورونا؛ لكن متابعة رسالته بالفيديو للزميلات والزملاء الاعزاء في الملكية الاردنية جعلتني أكتب هذا المقال فوراً وارفع من سقف الأمل لأنه ببساطة وضع يده على الجرح وحمّل عودة الملكية الاردنية الى سابق عهدها على ثلاثة روافع: الأول الدعم الحكومي "مالكة الشركة" من خلال حزمة اعفاءات ضرورية تصدر بموجب اوامر الدفاع نظرا لما يعانيه قطاع السياحة ؛ والثاني تغيير استراتيجي في خطط الشركة يلغي عهد "تصغير الكتاف" ويبدأ في رسم خطوط شبكتها على أسس تجارية توسعية؛ والثالث اعادة صياغة علاقتها بالزبائن والمجتمع والجهات ذات العلاقة من خلال الارتقاء بخدماتها وتطويرها ورعاية مسافريها بما يستحقون من اهتمام! 

هذا المثلث اذا نجح سيعيد الألق للملكية الاردنية ؛ فالحكومة مالكة الشركة مجبرة على دعمها لانقاذها؛ لكن رئيسها التنفيذي الجديد يطرح الحاجة لحلول جذرية وليس دعم مالي مباشر بالقطارة بل مراجعة تشريعية للعبئ الضريبي على الناقل الوطني وهو ما كان قد اشار الى خطورته في آخر مقابلة له مع جريدة الرأي عام ٢٠٠٩ قبل رحيله عن الشركة بأيام.... 

أما اعادة صياغة استراتيجيتها فقد لخصها الرئيس التنفيذي الجديد بما يشبه "الاسلام يجب ما قبله " فكان اعلانه ردة عن الخطط التي اتبعتها الشركة آخر خمسة سنوات من اعاده الهيكلة نحو نموذج فاشل من الطيران منخفض التكاليف ؛ بل اوضح الرئيس التنفيذي الجديد ان ما تحتاجه الملكية هو ذاته ما تعلمناه بها من الف باء صناعة الطيران (( أسوأ ما قد تقوم به شركة طيران في زمن الانكماش الاقتصادي هو تقليص عملياتها .... بل هذه فرصتها الذهبية للتوسع بحثا عن اسواق جديدة ))! ولعل في تأكيده على ضرورة تحديث الاسطول والارتقاء بالخدمات الترفيهية على الطائرة اعلان نعي لكافة السياسات القديمة التي كانت مثل (( الضحك على اللحى ))! وهذا ليس بغريب على سامر المجالي الذي آمن ذات يوم ان الملكية الاردنية يجب ان تكون اول شركة طيران في الشرق الاوسط تنضم الى واحد من افضل وارقى تحالف لشركات الطيران بالعالم حيث كان يراها بين الكبار فقط! 

أما الضلع الثالث فهو التركيز على خدمة الزبائن والعناية بهم وتحسين صورة الشركة التي تضررت كثيراً! فالملكية الاردنية هي للاردنيين اول رائحة الوطن عند القدوم وآخر رائحة الوطن عند المغادرة؛ وهي يجب ان تكون لغير الاردنيين صورة مصغرة للاردن الذي نحب ان نعكسه كرماً وضيافةً ومهنيةً وأخلاقاً وحرفية! 

لعل أكثر ما يغير قواعد اللعبة هو تركيز الرئيس التنفيذي على الترويج "لأنسنة الشركة" وهو حقيقة ما يعطيها ميزة تنافسية على كل شركات الطيران في الاقليم .... فهي الوحيدة في المنطقة التي بنيت على ارث طويل من تنمية الموارد البشرية والدمج الفريد بين ثقافة السوق ومتطلبات النقل الجوي .... ولعلها شركة الطيران الوحيدة في العالم التي تتفهم ان الاردني المغترب يريد الصعود للطائرة مهما كلف الأمر للحاق بأنفاس والده الأخيرة في عمان وهي الصلاحية التي لطالما خولت الشركة مدراء محطاتها للتصرف فورا في حال الحاجة اليها! 

مرة أخرى لا احب الافراط في التفاؤل وتحميل أبي الامير اكثر مما يحتمل؛ لكنها رسالة له بأن الملكية الاردنية هي نموذج مصغر للاردن والانظار كلها عليك الان فإن نهضت بها اعطيتنا الامل بالخروج معافين من جائحة كورونا؛ وان لم تفلح فسيستبد بنا اليأس ان شجرة الفساد قد نمت حتى عجزنا عن قطعها ! والاهم من كل ذلك انك آخر أمل للترويج لنظرية مزيج التكنوقراط السياسي الخبير في مؤسسات الدولة ؛ وكلنا أمل ليس بك فقط.... لكن لايماننا ان في الملكية الاردنية زملاء وزميلات يحبونها كثيرا ومخلصين في العمل لها مستعدين للعودة بها ان وجدوا قائداً يؤمنوا به ويؤمن بهم بعيداً عن مستجدي الصنعة الذين جعلوا منها حقل تجارب عقيم مثل تفكيرهم!

مواضيع قد تعجبك