خبرني - ثمة ملاحظات بارزة يمكن قراءتها من الوهلة الأولى في موازنة السعودية للعام الجديد، من خلال استعراض بنود الإنفاق للميزانية، إذ يتصدر الإنفاق العسكري مخصصات الميزانية في عام 2026 وفق التصنيف الوظيفي، كما هو الحال في ميزانيات سنوات عدة ماضية. ووفق الأرقام المعلنة من وزارة المالية السعودية فقد بلغت مخصصات الإنفاق العسكري 240 مليار ريال (أي ما يعادل 64 مليار دولار)، وبما يحقق نسبة 18.2% من إجمالي النفقات بالميزانية الجديدة والبالغة 1.3 تريليون ريال. وبلا شك فإن هذا الاهتمام بالإنفاق العسكري تفرضه طبيعة الظروف التي تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط منذ عقود. وتأتي مخصصات الإنفاق على التعليم في المرتبة الثانية بعد الإنفاق العسكري، حيث قدرت مخصصاته بـ202 مليار ريال، وبما يصل لنسبة 15.3% من إجمالي النفقات للميزانية. (الدولار يعادل 3.75 ريالات سعودية).
ومن خلال الاطلاع على بعض تفاصيل المشروعات التي ستحظى بالمخصصات المقدرة لبند التعليم، وجدنا أن هناك اهتماماً بتعلم اللغة الصينية. فثمة برنامج للتوسع في تعليم تلك اللغة، وتمكين الطلاب السعوديين من التحدث باللغة الصينية والتواصل مع الناطقين بها، ويستهدف هذا البرنامج إفادة 85.9 ألف طالب وطالبة داخل المملكة إلى الصين، فضلاً عن ابتعاث 325 معلماً ومعلمة لدراسة اللغة الصينية، والحصول على ماجستير في تعليم تلك اللغة من الجامعات الصينية. وتظهر أرقام ميزانية 2026 في السعودية، اهتماماً بالجوانب الاجتماعية الأخرى بخلاف التعليم، حيث قدرت مخصصات الصحة والتنمية الاجتماعية بنحو 259 مليار ريال، وهو ما يؤكد استمرار سياسة الدعم من خلال المنح والإعانات، وكذلك خدمات الرعاية الصحية.
ولكن ينبغي أن تثمر خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية السعودية، عن تقليل معدلات الفقر، التي رصدتها منظمة الاسكوا، حيث كانت نسبة الفقراء في السعودية هي الأعلى بين دول الخليج، وقدرت بنحو 13.5% من إجمالي السكان السعوديين، في عام 2021، ومع زيادة الضغوط الاقتصادية، يتوقع زيادة نسبة الفقراء حالياً عما كانت عليه. وتكتسب الميزانية السعودية للعام الجديد أهميتها، من كونها تخص واحدة من أكبر البلدان المنتجة والمصدرة للنفط في العالم، ولديها تأثير لا يمكن التغافل عنه، فيما يخص دورها في سوق النفط العالمي، وظهر هذا بوضوح أكثر من مرة، وبخاصة بعد تكوين التحالف النفطي "أوبك+".
تراجع الاستثمارات العامة
حسب البيان المالي لميزانية 2026، قُدرت الإيرادات العامة بنحو 1.14 تريليون ريال، والنفقات العامة بنحو 1.31 تريليون ريال، وبذلك يصل العجز بالميزانية إلى 165 مليار ريال. ووفق التصنيف الاقتصادي، فإن الأجور والرواتب تستحوذ على نصيب الأسد من مخصصات الميزانية للعام المقبل. فقد قدرت مخصصات الأجور والرواتب بـ584 مليار ريال، وبما يعادل نسبة 44.4% من إجمالي النفقات، وفي المرتبة الثانية حل بند السلع والخدمات الخاصة بالحكومة، بنحو 247 مليار ريال، وبنسبة 18.8% من إجمالي النفقات.
إلا أن الملاحظ أن مخصصات الاستثمارات العامة في ميزانية 2026، تراجعت إلى 162 مليار ريال، بعد أن كانت 172 مليار ريال العام الماضي، وقد برر البيان المالي للميزانية هذا التراجع، بتحقيق المستهدفات، واكتمال عدد من المشاريع.
وبالرجوع للإنفاق على الاستثمارات العامة بالميزانية خلال السنوات الماضية، وفق أرقام البيان المالي، وجدنا أن الإنفاق على الاستثمارات العامة، آخذ في التزايد منذ عام 2021 وحتى 2024، ففي عام 2021 بلغ هذا الإنفاق 117 مليار ريال، وارتفع في عام 2024 إلى 191 مليار ريال، أي إن الزيادة خلال تلك الفترة بلغت 74 مليار ريال، وبنسبة بلغت 63%، بينما أخذ المنحى الخاص بالإنفاق على الاستثمارات العامة في التراجع في عامي 2025 و2026، ليكون 172 مليار ريال في 2025، ويقدر له أن ينخفض إلى 162 مليار ريال في 2026، أي إن الانخفاض في عام 2026 سيكون بنحو 10 مليارات ريال، وبنسبة تصل إلى 5.8%.
نعم هناك مصادر أخرى للإنفاق على الاستثمارات في المملكة، ويأتي على رأسها الإنفاق الخاص بمشروعات رؤية 2023، وكذلك استثمارات الصناديق العامة، وكذلك القطاع الخاص الوطني والأجنبي، ولكن تراجع مخصصات الاستثمارات العامة بالميزانية، يثير تساؤلات تبحث عن إجابة.
ومن الملاحظات الواضحة من تحليل بيانات الميزانية السعودية لعام 2026، في ما يخص التقسيم الاقتصادي، أن الانفاق الاستثماري يبلغ نسبة 12.3% من إجمالي النفقات العامة، بينما الإنفاق الجاري 87.7%، وهو ما يعكس توجه الاقتصاد السعودي من بعد عام 2015، فقد جرى تبني إعطاء مساحات أكبر للقطاع الخاص، وتخلي الحكومة عن النشاط الاقتصادي، وهو ما نلمسه من خلال مشروعات الخصخصة، وبخاصة في مشروعات تاريخية ضخمة، في المملكة، وعلى رأسها شركة أرامكو النفطية، حيث جرى تخصيص نسب من رأس مال الشركة لصالح القطاع الخاص، وإن كانت الحكومة السعودية ما زالت تسيطر على غالبية رأس مال الشركة.




