خبرني - لم يعد القلق من فقدان الوظيفة مقتصرا على القطاعات الهشّة أو العمالة منخفضة المهارة، إذ بات يمتد بقوة إلى موظفي المكاتب في الولايات المتحدة مع اقتراب عام 2026.
وحسب تقرير موسّع لصحيفة وول ستريت جورنال -نشر قبل أيام- يعيش العاملون في الوظائف المكتبية حالة متزايدة من عدم اليقين، مدفوعة بتباطؤ التوظيف، وتصاعد تسريحات الشركات، والتحذيرات المتكررة من توسّع استخدام الذكاء الاصطناعي كبديل عن العمالة البشرية.
بطالة منخفضة وقلق مرتفع
تُظهر بيانات وزارة العمل الأميركية، التي استندت إليها وول ستريت جورنال، أن معدل البطالة بين الحاصلين على تعليم جامعي ممن تبلغ أعمارهم 25 عاما فأكثر ارتفع إلى 2.9%، مقارنة بـ2.5% قبل عام.
ورغم أن المستوى لا يزال متدنيا تاريخيا، فإن اتجاهه الصعودي يثير مخاوف واسعة، خصوصا مع تقلّص وظائف في قطاعات رئيسية مثل المعلومات والأنشطة المالية خلال شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني.
ووفق استطلاع أجراه بنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك ونقلته الصحيفة، ارتفعت النسبة المتوقعة لفقدان الوظيفة خلال العام المقبل بين أصحاب الشهادات الجامعية إلى 15%، مقابل 11% قبل 3 سنوات، في تحوّل لافت يجعل هذه الفئة أكثر قلقا من نظرائها الأقل تعليما، بعد أن كانت تاريخيا الأكثر استقرارا.
"سوق عمل أكثر قسوة"
وتشير وول ستريت جورنال إلى أن القلق لا يقتصر على احتمال فقدان الوظيفة، بل يمتد إلى ضعف فرص إيجاد بديل سريع، فقد تراجعت ثقة العاملين المتعلمين في قدرتهم على العثور على وظيفة جديدة خلال 3 أشهر من 60% إلى 47% أثناء 3 سنوات فقط.
وتدعم بيانات منصة "إنديد" هذا التوجه، إذ تراجعت إعلانات وظائف تطوير البرمجيات إلى 68% من مستويات ما قبل الجائحة، بينما بلغت وظائف التسويق 81%، في حين صمد قطاع الرعاية الصحية نسبيا، بسبب صعوبة استبدال جزء كبير من وظائفه بالذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي والتضخم
وحسب وول ستريت جورنال، يتقاطع هذا القلق الوظيفي مع مزاج اقتصادي عام متشائم، إذ يقترب مؤشر جامعة ميشيغان لثقة المستهلك من أدنى مستوياته التاريخية، في ظل تضخم ممتد وارتفاع تكاليف السكن والرعاية والخدمات الأساسية.
وتشير الصحيفة إلى أن موظفي الياقات البيضاء، الذين كانوا يُنظَر إليهم كفئة محصّنة نسبيا، باتوا يشعرون اليوم بأنهم جزء من موجة عدم الاستقرار الأوسع.
ويقول جاي بيرغر، كبير الاقتصاديين في معهد "برنينغ غلاس"، إن هذه المخاوف "مفهومة تماما في ضوء ما يُهيمن على المشهد الإخباري"، لافتا إلى أن من يُسرّح اليوم قد يواجه فترة بحث أطول وأكثر صعوبة مما اعتاده في السنوات الماضية.
القلق يمتد إلى القطاع الحكومي
ولا يقتصر التحول على القطاع الخاص، إذ تفيد بيانات حكومية أوردتها وول ستريت جورنال بأن التوظيف الفدرالي انخفض بنحو 6 آلاف وظيفة في نوفمبر/تشرين الثاني، بعد خسارة ضخمة بلغت 162 ألف وظيفة في أكتوبر/تشرين الأول، نتيجة برامج الاستقالة الاختيارية.
ورغم أن أصحاب الشهادات الجامعية لا يزالون يتمتعون بأجور أعلى مقارنة بغيرهم، تخلص وول ستريت جورنال إلى أن سوق العمل الأميركي يدخل مرحلة مختلفة، أقل تساهلا وأكثر صرامة.
فبعد سنوات من الطلب المرتفع على الكفاءات المكتبية، بات الحفاظ على الوظيفة بحد ذاته أولوية، في اقتصاد يُعيد ترتيب توازنه تحت ضغط الذكاء الاصطناعي، والتضخم، والتحولات الهيكلية العميقة.




