*
الاثنين: 08 ديسمبر 2025
  • 08 ديسمبر 2025
  • 12:15
الكاتب: د. مهند فرعون

يشهد الشارع الرياضي الأردني حالة من الحماس غير المسبوق بعد تأهل منتخبنا الوطني لأول مرة في تاريخه إلى كأس العالم، ووقوعه في مجموعة تضم المنتخب الأرجنتيني، حامل اللقب وأحد أقوى المنتخبات في العالم. وبين مشاعر الفخر والرهبة، يبرز سؤال مهم: كيف يتعامل اللاعب الأردني مع هذا التحدي من الناحية النفسية؟

لطالما كانت المواجهات الكبرى في الملاعب ليست صراعًا بدنيًا فقط، بل اختبارًا للعقل، للثقة، وللقدرة على إدارة الضغط. وهنا، تكمن القيمة الحقيقية لهذا الظهور التاريخي للنشامى.

 

** العامل النفسي أهم مما نعتقد

من خلال عملي كمُعِدّ نفسي لاحد فرق المحترفين في الاردن خلال السنوات الماضية، لاحظت أن الفارق بين اللاعب الذي يتقدم خطوة نحو الإنجاز والآخر الذي يتراجع تحت الضغط ليس دائمًا المهارة أو اللياقة… بل الحالة الذهنية.

اللاعب الذي يدخل مواجهة كبيرة وهو يشعر بأنه “أقل” من خصمه، يخسر قبل أن تبدأ المباراة. أما اللاعب الواثق، الذي ينظر للتحدي كفرصة، فإنه غالبًا ما يقدم أداءً يفوق توقعاته.

مواجهة فرق بحجم الأرجنتين قد تولّد رهبة طبيعية، لكن تحويل هذا الخوف إلى طاقة واندفاع إيجابي هو مفتاح اللعب على أكبر المسارح.

 

** كيف يستفيد منتخبنا من هذا التحدي؟

هناك ثلاثة عناصر نفسية أساسية يمكن أن تشكل الفارق في الظهور الأردني الأول:

1– ضبط الضغط النفسي

الطموحات العالية للجمهور قد تشكّل عبئًا على بعض اللاعبين. مطلوب من الطاقم الفني والنفسي تعزيز فكرة أن المشاركة بحد ذاتها إنجاز، وأن الأداء الشجاع أهم من النتيجة.

2– بناء الثقة الجماعية

اللعب أمام بطل العالم يحتاج إلى روح فريق متماسكة. الثقة لا تُبنى فرديًا فقط، بل تتعزز عندما يشعر اللاعب بأن زملاءه يقفون خلفه في كل لحظة داخل الملعب.

3– تحويل الاحترام إلى حافز

احترام الخصم لا يعني الخوف منه. اللاعبون الذين يواجهون فرقًا كبيرة غالبًا ما يقدمون أفضل مستوياتهم إذا دخلوا المباراة بإحساس أنهم يستحقون التواجد في هذا الحدث.

 

** أثر هذه التجربة على الرياضة الأردنية

حتى لو لم تكن النتائج على الورق لصالح منتخبنا، فإن هذه البطولة يمكن أن تمثل نقطة تحول في الرياضة الأردنية. اللاعب الصغير الذي يشاهد منتخب بلاده يواجه الأرجنتين اليوم، قد يصبح هو نفسه لاعبًا في نسخة أخرى من المونديال، لكنه سيملك العقلية التي تجعله يؤمن بأن “المستحيل” كلمة يمكن كسرها.

كما أن دعم الجماهير، ووعيها بضرورة المحافظة على الحالة النفسية للاعبين، يخلق بيئة صحية قادرة على دفع المنظومة الرياضية كلها إلى الأمام.

 

** خاتمة

وقوع الأردن في مجموعة الأرجنتين ليس صدمة… بل هدية.

هدية تمنح منتخبنا فرصة لاختبار نفسه أمام الأفضل، وهدية تمنحنا نحن فرصة لنعيد صياغة مفهوم “الطموح” في الرياضة الأردنية.

اليوم، أمام النشامى تحدٍّ كبير، لكنه أيضًا بداية لحلم أكبر.

ومثلما يقال في عالم علم النفس الرياضي:

“العقل الذي يواجه الصعاب بثبات… يصنع المفاجآت.”

مواضيع قد تعجبك