*
الجمعة: 05 ديسمبر 2025
  • 26 أكتوبر 2025
  • 16:53
الكاتب: أحمد سعد الحجاج

خبرني -  في أردنٍّ تتوهّج فيه الرؤية الهاشمية، حيث يجتمع الحلم بالعزيمة، وتتلاقى الحكمة الملكية مع الإرادة الشعبية، بزغ مسار التعليم المهني والتقني ( BTEC ) ليُعلن عن مرحلةٍ جديدةٍ من النهضة التربوية، لا تسير خلف الركب، بل تتقدّمه، ولا تكتفي بالتلقين، بل تصنع الإتقان. إنه مسارٌ وطنيٌّ لا يشبه سواه، يحمل في جوهره فكرًا ملكيًا عميقًا، يُعيد تعريف التعليم بوصفه أداةَ بناءٍ لا حفظٍ، وحياةَ عطاءٍ لا شهادةً تعلّق على الجداران.

فمنذ أن جعل جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ووليّ عهده الأمين سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني  رعاهما الله 
 الإنسان الأردني في قلب التنمية، وُضعت أسس النهضة الحقيقية التي تقوم على تمكين المواطن علمًا ومهارةً، فغدت التنمية البشرية حجر الزاوية في مشروع الدولة الأردنية الحديثة. وبإيمانٍ عميقٍ بأنّ الوطن لا يُبنى إلا بعقولٍ تُبدع وسواعدٍ تُتقن،

 فارتقت الدولة بالتعليم المهني من مساحةٍ محدودةٍ إلى مكانةٍ مركزيةٍ في صميم رؤيتها المستقبلية.

ولم تكن الحكومة بعيدةً عن هذا التوجّه، بل كانت في قلبه، إذ من شدّة اهتمامها بهذا المسار واستشعارها لأهميته في صناعة الغد، استحدثت وظيفةً عليا هي "أمين عام لشؤون التعليم المهني والتقني" لتكون هذه الخطوة إعلانًا رسميًا بأنّ هذا المسار لم يعد هامشيًا أو ثانويًا، بل أصبح محورًا وطنيًا تتقاطع عنده خطط التنمية والتعليم والاقتصاد.

وانطلقت وزارة التربية والتعليم بثقةٍ واقتدارٍ في تنفيذ هذه الرؤية بقيادة معالي الوزير الأستاذ الدكتور عزمي محافظة، الذي يحمل فكرًا موزونًا ودراسةً محكمةً لملف التعليم، وبمتابعةٍ مخلصةٍ من عطوفة الأمين العام للشؤون التعليمية الدكتور نواف العجارمة، صاحب الرؤية التربوية العميقة والتخطيط المتزن.

وبالشراكة مع شركة بيرسون البريطانية، وهي من أعرق الشركات التعليمية عالميًا في تطوير المناهج والبرامج المهنية المعتمدة، أُطلق برنامج ( BTEC ) ليكون جسرًا بين المدرسة وسوق العمل، بين الطموح الوطني والمعايير الدولية. وتحت إشرافٍ مباشرٍ من معالي الوزير، لم تكتفِ الوزارة بإطلاق المسار، بل أعدّت له بيئته التعليمية المتكاملة؛ فجهّزت معلميه ومشاغله ومختبراته، ووفّرت الدورات التدريبية المتخصصة، وصقلت الكوادر بمهاراتٍ متقدمةٍ حتى غدت مدارس المسار اليوم ورشًا نابضةً بالحياة والإبداع، فكلّ معلّمٍ فيه صانعُ وعيٍ، وكلّ مختبرٍ بوابةُ اكتشاف، وكلّ مشغلٍ ساحةُ تطبيقٍ لما يُبنى في عقول الطلبة من فكرٍ ومعرفةٍ وإبداع.

إن برنامج ( BTEC ) ليس مجرّد منهجٍ يُدرّس، بل تجربةُ حياةٍ تُخاطب الفكر والمهارة معًا. إنه يفتح للطلبة نوافذ رحبةً من التخصصات التي تجمع التقنية بالإبداع، والفكر بالإنتاج، فمن مجالات التكنولوجيا والهندسة والإدارة والأعمال، إلى ميادين الفندقة والسياحة والصحة والتمريض والتصميم والإنتاج، ووصولًا إلى ميادين تزهو بالجمال والفنّ كمسار الشعر والجمال، الذي يمزج بين الذوق الرفيع والمهارة الدقيقة.

ولعلّ مثالًا حيًّا على ذلك ما جسّدته إحدى الطالبات الأردنيات التي اختارت تخصص الشعر والجمال عن رغبةٍ جامحةٍ تسكنها، وإيمانٍ عميقٍ بأنّ الجمال مهنةٌ راقيةٌ حين تُمارَس بحبٍّ وإتقان. أبدعت تلك الطالبة في مزج الفنّ بالعلم، فتميّزت بأسلوبها ولمستها الخاصة، حتى أصبحت حديث زميلاتها ومعلماتها، نموذجًا للفخر، ودليلًا على أنّ الإبداع لا حدود له حين يكون منبتُه الشغف ومضمونه الإتقان.

إنّ من يُقبل على هذا المسار لا يتراجع عن الطموح، بل يتقدّم إليه بخطى واثقةٍ. هو الطالب الذي يختار أن يكون جزءًا من الحلّ لا من الانتظار، وأن يُنشئ مشروعه بذكائه وإرادته، لا أن يكتفي بالأمنيات. ففي هذا المسار يتعلّم كيف يُخطّط ويبتكر ويقود مشروعًا واعدًا بخبرةٍ واقعيةٍ وإصرارٍ لا يعرف التردد، ليكون غدًا من روّاد العمل والإنتاج في وطنٍ يفاخر بأبنائه.

وشهادة ( BTEC ) التي ينالها الطلبة ليست مجرّد وثيقةٍ رسمية، بل جوازُ كفاءةٍ دوليٌّ معترفٌ به في أرقى الدول والمؤسسات حول العالم، فهي تحمل الاعتماد من هيئاتٍ تعليميةٍ في بريطانيا وأوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا ودول الخليج، وتُعتمد محليًا من وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي وهيئة الاعتماد والجودة الأردنية، وبذلك تُتيح لحاملها متابعة دراسته في أرقى الجامعات أو الانطلاق إلى سوق العمل بكفاءةٍ تنافسيةٍ عالية.

إنّ مسار ( BTEC ) لا يُزاحم المسارات الأكاديمية والحقول التعليمية الأخرى، بل يُكمّلها ويعزّزها، فهما جناحان متكاملان في جسد التعليم الأردني، فالمجتمع المتقدّم لا ينهض بعلمٍ واحدٍ أو بطريقٍ منفرد، بل يطير بعلمٍ يُنير ومهارةٍ تُبدع، بعقلٍ يرسم وساعدٍ يُنفّذ، فتتوحّد الغايات وتسمو الرسالة في خدمة الوطن الواحد.

ولأنّ الحكومة الأردنية آمنت بهذا الطريق، نرى اليوم تطوّرًا نوعيًا في الورش والمشاغل والمختبرات والمناهج والدورات التدريبية التي ارتقت إلى مستوى العالمية من حيث التجهيز والتطبيق والإبداع. إنها بيئةٌ تعليميةٌ حديثةٌ تُخرّج جيلًا لا ينتظر التعليم، بل يُعيد تعريفه.

وهكذا يمضي مسار ( BTEC ) في دربه بخطىٍ ثابتةٍ، حاملًا راية المهارة والابتكار، مجسّدًا الرؤية الملكية في أن يكون الإنسان الأردني محور التنمية وغايته. هو وعدُ وطنٍ لأبنائه بأنّ المجد لا يُورث بل يُصنع، وأنّ التميّز لا يُشترى بل يُنتَج بالإرادة والعمل والإتقان.

فلتكن خطوتكم نحو هذا المسار خطوةَ فخرٍ وثقةٍ، فأنتم صُنّاع الغد، وأعمدةُ الأردن الجديد، وسواعدُ نهضته القادمة، فمن هنا يبدأ المستقبل، ومن هنا تُكتب فصول العزّ. !!!

مواضيع قد تعجبك